لاطاعة لمخلوق في معصية الخالق


شرّ الذرائع التي يلجأ إليها من يخافون الحاكم الظالم فلا يكتفون بعدم الجهر بالحقّ في وجه ظلمه، وإنّما يدفعون العامّة إلى التسليم بظلمه.. شرّها قولهم إنّ له حقّ الطاعة عليهم، بالبيعة له!..ويستندون الى اية قرانية تقول(واطيعوا الله والرسول  واولي الامر منكم)صدق الله العظيم 
ومن هولاء شخص دار بيني وبينه نقاش حول هذا الموضوع قبل اسابيع على الفيس بوك ادان بولائه التام وطاعته العمياء للحاكم اتباعا لهذه الاية حسب قوله وقد حاولت ان اوضح له ووفقا لعقليته المعباة بالمفاهيم الخاطئة او تلك التي تلامس مصالحه من الحاكم حول مدلول هذه الاية ومقاصدها وعلى اي الوجوه يجب ان نفسرها ونطبقها رغم اننا لم نطبق حتى الان اي اية قرانية بشكلها الصحيح ولو على مستوى العبادات الا ان المذكور قد اصرعلى تاويله للاية وراح يدافع عنه بكل الاسلحة لهذا ولمزيد من الايضاح حسب منظوري الطبيعي للامور كعبد من عبيد الرحمن يحق لي الاجتهاد لخدمة قضايا الامة واماطة الالتباسات حولها ولا ادعي انني قد ملكت الحق او وصلت اليه وانما هو مجرد اجتهاد صرف يقوم على بعض النصوص الدينية التي تاتي في السياق نفسه استقيتها من مراجعها الصحيحة توخيا للحقيقة قدر ماامكنني واقترابا مما يجب ان يعرفه الجميع وابتعادا من التفسير الذي يخضع كما خضع من سابق لاهواء الحكام ومصالح المستفيدين منه .
ولما كان كثير من هولاء يقرّ في غير حضرة الحاكم، أو في كلام غير مباشر عنه، بأنّه لا يحكم بالإسلام، ولا ينصح للأمّة، فهم بذلك يقولون بطاعة من قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيه:
(ما من عبد استرعاه الله رعيّة فلم يحطها بنصيحة إلاّ لم يجد رائحة الجنّة)
إنّه لا تجوز طاعة هؤلاء في أمر واحد من الأمور التي ينحرفون فيها عن الحكم بما أنزل الله، فكيف بأصل وجودهم على غير الإسلام والحكم بالإسلام؟..
ولقد وجّه أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه وأرضاه كلامه إلى عامّة الناس عند تولّيه الخلافة إذ خطب فقال: "أيّها الناس قد وُلّيت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن صدفتُ (أسأت) فقوّموني" إلى أن قال: "أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم"
لا طاعة.. رغم البيعة الإسلامية الصحيحة التي سبقت، فأين البيعة الإسلامية الصحيحة هذه الأيام؟.. وكيف يأتي من يقول إنّ حكام هذه الأيام لا تجوز معصيتهم لأنّ وصولهم إلى الحكم كان بطريقة مقبولة(!) على وجه من وجوه الاجتهاات الفقهية!..
ألا إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:
(لا طاعة في معصية الله إنّما الطاعة في المعروف)
(السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحبّ وكره، ما لم يُؤمر بمعصية، فإذا أُمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة)
(سيليكم أمراء بعدي، يعرفونكم ما تنكرون، وينكرون عليكم ما تعرفون، فمن أدرك ذلك منكم، فلا طاعة لمن عصى الله)
ألا إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد عمّم كل التعميم، وفصّل كلّ التفصيل في هذه الأحاديث وسواها، ولا يُقبل في هذا الموضوع -ولا سواه- كلام يخالف كلام رسول الله صلّى الله عليه وسلم، الواضح الصريح المفصّل.
وإنّنا لنجد هذه الأيام جميع أصناف الطاعة، رغم توافر جميع الأسباب التي تستدعي عدم الطاعة، من قيام الحكام بالمنكرات.. بينما الطاعة في المعروف، ومن أمْرِهم بالمعاصي.. بينما لا طاعة في معصية، ومن ارتكابهم المعاصي بأنفسهم.. بينما لا طاعة لمن عصى الله.
والسكوت وحده لا يكفي من جانب مَن مقامه مقام الجهر بالحق، وإن أراد بالسكوت تجنّب أذى دنيوي، فكأنّما أصبح هذا هو الأصل في الإسلام رغم نزول الأذى بكافة المسلمين بحكمهم بغير ما أنزل الله، بل وبمحاربة الإسلام في أرضه، واضطهاد العامّة والخاصّة، طالما أنّ ذلك، كلّه أو بعضه، لا يمسّ "الساكت" نفسه مسّاً مباشرا، أو كأنّما أصبحت الفتنة بالتعذيب أو القتل أكبر في نفوس الساكتين عن الحقّ من الفتنة التي يُفتن بها المسلمون اليوم في دينهم على كلّ صعيد من جانب معظم الحكام، ومن ذلك التعذيب والقتل أيضا!..
لا يقولنّ قائل: إنّ هذه الأحاديث تعني السكوت والامتناع عن الطاعة فحسب، فالقضية هي قضية انحراف الحاكم عن الحكم بما أمر الله، وذاك ممّا يجب تغييره، ولا يتغيّر بمجرّد السكوت وعدم الطاعة، وهذا -كما سبق الكلام- ما فهمه العلماء الذين قال الله تعالى فيهم: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} -فاطر: 28- وفهمه كذلك عامّة المسلمين كالأعرابي الذي قال لعمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "لو رأينا فيك اعوجاجا لقوّمناه بحدّ سيوفنا". فإذا جاء أحدَنا حاكمٌ أو عالم بكلام يخالف هذا الفهم الإسلامي، نقول للحاكم أو العالم، إنّ عمر بن الخطّاب رضي الله عنه ما زاد على أن أجاب الأعرابي مقرّاً بقوله وواصفا حال الأمّة المسلمة الراشدة: "الحمد لله الذي جعل في أمّة محمّد من يقوّم اعوجاج عمر بسيفه"
نقول له: إنّ القضية ليست قضية مسوّغات، ليست قضية "تقية" ولا قضية "ضعف" ولا قضية "بيعة وطاعة".. إنّما هي قضية خوف، وربُّ العزّة يقول:
{أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ} -التوبة: 13- {إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي} -البقرة: 150-
{إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} -آل عمران: 175-
اللهم إنّا نسألك ألاّ تدع في قلوبنا مثقال ذرة خوف من سواك، ولا مثقال ذرّة طمع في غير رحمتك وجنّتك.