لقد ورد التأكيد على وحدة اليمن في كل المحافل والمناسبات والمؤتمرات والمواقف والفعاليات والحوارات السياسية الوطنية والعربية والدولية والاممية ذات الصلة بالشأن الداخلي فيها ...
كما أكدت عليها كل القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العمومية للامم المتحدة حتى الان..
فإذا جمعنا هذه الأراردات الى بعضها البعض فسيتجلى لنا بأن الوحدة اليمنية مازالت كما ظلت حتى الان موضع إتفاق العالم حولها ولا يوجد ما يبرر الخوف عليها، الامر الذي يدل على أن حجة اولئك الذين يعارضون فكرة إقامة الدولة الاتحادية الجديدة التي حظيت بإجماع غالبية القوى والمكونات السياسية والوطنية التي شاركت في مؤتمر الحوار الوطني بأنهم حريصون على وحدة البلاد وانهم يخافون عليها من خطر التقسيم والتجزئة انها حجة باهتة لا تستند على اي مبرر منطقي معقول او مقبول وانها لا تعدوا ان تكون اكثر من مجرد اراجيف يتسترون وراءها ويخفون خلفها مشاريع واجندات شخصية وقبلية وسياسية وحزبية ومذهبية وطائفية وعنصرية انانية معروفة لكل ذي عقل وبصيرة او ألقى السمع وهو شهيد.
إن من يعارض فكرة أقامة الدولة الإتحادية الجديدة في اليمن والتي تعني النظام اللامركزي إنما هم اولئك الذين يخفون وراء كل هذا التهويل الذي يتبنوه من خطر التجزئة والتقسيم مشروعاً واحداً لا غير... انه مشروع العودة بالبلاد الى سابق عهودها المظلمة لتحكمه كما ظلت تحكمه خلالها تلك الاقلية الانقلابية بنظام سياسي قبلي عائلي مركزي حديدي يهمش المواطن ويقضي على كل فرص المشاركة في الحياة السياسية العامة له..
كنت ارجوا ان يتسلح هؤلاء النفر من الناس بما يكفي من الشجاعة الوطنية والادبية التي تؤهلهم للجرأة على الإفصاح عما يبيتونه في صدورهم المريضة من النوايا والشرور الخبيثة وعن حقيقة ما يدور في رؤسهم من أفكار وأجندات تضمر للشعب اليمني الحقد والضغينة، وإلا فمتى كان هؤلاء حريصون على الوحدة أكثر من الغالبية الساحقة لهذا الشعب التي أيدت وتفاعلت مع هذا التوجه العقلاني لتحقيق التغيير المنشود؟
ان اخطر المجرمين والاشرار فتتكاً بضحاياهم إنما هم اولئك الذين يمارسون جرائمهم عليها تحت شعارات ومسميات ومبادئ مقدسة يرفعونها امامهم ليتسنى لهم طريق الظفر بهم والنيل منهم..اذ لا يوجد مخلوق في هذا العالم يضمر للناس شراً ثم يفصح لهم عنه بل يوجد من يضمر ذلك ويحرص كل الحرص على ان لا يبديه لهم وعلى التواري به عنهم وراء شعارات براقة تدغدغ مشاعرهم وتخطب ودهم وتكسب عواطفهم وهذا ما يبدوا انهم يمارسونه معنا اليوم على وجه التحديد... فالذين لا يخفون إعتراضهم على مشروع الدولة الاتحادية الذي نصبوا ونتطلع الى تحقيقه في اليمن اليوم ويسعون سعيهم الحثيث لعرقلة تنفيذ مخرجات الحوار الوطني والوقوف امام كل محاولات الاصلاح والتغيير ومعالجة وتصحيح جميع الاخطاء والاختلالات التي رافقت الوحدة هم اولئك الذين يرفعون بيرق الخشية على الوحدة اليمنية ليتستروا خلفه بأجنداتهم العنصرية والطائفية، وكأنهم احرص الناس على هذه الوحدة دون كل اليمنيين...
ان عودة سريعة الى تاريخ إعادة توحيد اليمن يتضح لنا بأن هؤلاء هم اول من طرح مشروع الوحدة "الكونفدرالية او الفيدرالية " بين الشطرين ولم يكونوا متحمسين كثيراً لخيار الوحدة الإندماجية الذي اصر عليه الجنوبيون يومها....
لقد اعتمدت مسيرة نضال الأغلبية من ابنا الشعب اليمني في الجنوب والشمال منذ البداية على أساس إعادة الوحدة بين الشطرين في الحدود الجغرافية والسياسية لكل منهما رافضين كل سياسات واساليب الضم والالحاق التي كثيرا ماجرى - ولا زال ذلك يجري حتى الان - ممارستها على الجنوب بعد ذلك بإسم هذه الوحدة ... وكان شمال الشمال أقرب اليهم من الجنوب ليستردوا تلك الاراضي التي استقطعت من ارضهم وتنازلوا بها لصالح دول الجوار في صفقاتهم المشبوهة معها...
أين كان هؤلاء من الوحدة عندما تنازل نظام المخلوع على جزء كبير من الاراضي الحدودية المتاخمة للملكة بعد ان كانوا قد تنازلوا لها عن عسير و جيزان قبل ذلك؟
لقد باركوا كل تلك القرارات وقتها وغنوا وصفقوا لها ولم يترددوا للحظة عن تأييده في كل قراراته المصيرية التي عرضت سيادة اليمن لمخاطر جمة قبل وبعد تحقيق الوحدة...
أما اليوم فتراهم يبكون وينتحبون على وحدة لم يتسبب اي طرف سواهم في تدميرها وعلى علم احرقوه هم بعد ان اخترعوه دون ياخذوا رأي الشعب فيه ويذرفون دموع التماسيح على وحدة لم تهددها الاغلبية من ابناء الشعب اليمني في اي وقت من الأوقات كما ظلت تهددها وتدمرها هذه العصابة طوال سنوات حكمهم لليمن...
وبصراحة إنها محاولة بائسة ويائسة منهم للإستحواذ على مكاسب الشعب اليمني وخيراته مرة أخرى ليعود هذا الشعب الى حضيرة حكمهم من جديد يتصرفون فيه ويستعبدونه كيف ومتى يشاؤون ويوزعون حقوقه وثرواته لمن يشاؤون وانى يشاؤون ولكن عليهم ان يعلموا بأن ذلك الزمن قد ولى والى الأبد ولم يعد اليمن ملكاً لفئة معينة منهم دون اخرى ولم يعد الشعب يحكمه إنقلابيون كما لم تعد خيراته تصرف على فئة دون اخرى فيه ولم يعد هذا الشعب يتكون من فئتين ؛ فئة حاكمة للابد وفئة محكومة ومستعبدة الى الابد ايضا....
امام اليمنيين اليوم فرصة تاريخية كبيرة ربما لا تتكرر عليهم او تعوض لهم مالم ينتهزوها ويحسنوا إستغلالها قبل ان لا يكون ذلك ممكنا لهم في إعادة بناء اليمن الجديد على أسس وركائز وطنية وسياسية ودستورية جديدة ترسخ جذور الوحدة وتوطد أركانها وتلغي الثوابت القديمة المهترئة التي تأسست عليها ،، الأمر الذي يحتاج الى تحالف وإصطفاف قوي بينهم جميعا، حتى ينجحوا في التصدي لكل المعرقلين الذين يضعون الحواجز في طريق الدستور وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني ممن لا يريدون للشعب اليمني أن ينعم بخيرات ومحاسن النظام الإتحادي بعد ان فشلت التجربة الإندماجية للوحدة وتسببت في تمزيق لحمة الوطن وتفتيت النسيج الاجتماعي للشعب وتشظي بنيته الجغرافية شمالاً وجنوباً وتدمير ما تبقى من هيكل الدولة فيه.
فالدولة الإتحادية هي خير مايمكن ان يجمع ابناء الشعب الواحد في وطن واحد يتسع للجميع ويخرجه من كل هذه المتاهات والمحن والازمات والظروف القاسية التي حشر فيها عنوة ؛ ولابد لهذا الشعب أن ينعم بهذا الخير ويتمتع به ؛ ولا يحق لكائن من يكون ان يحرمهم من ذلك بحجج واعذار واهية كتلك التي لا تعبر إلا عن مصالح الاقلية منه كما لا يحق لهذه الأقلية ان تحرم الأغلبية من التمتع بحقوقها وخيراتها الوطنية ' واليمنيون جميعهم حريصون على الوحدة اكثر من هولاء النفر من الناس الذين يحاولون اليوم الاصطياد في المياه العكرة بدعوى خشيتهم على الوحدة اليمنية التي مزقوها اصلاً ؛
ففي ظل العولمة لا يعقل ان يفكر اي مخلوق من اليمنيين بالإنفصال لأنهم يعرفون جيداً بأن العالم اليوم غدى ككيان سياسي واقتصادي وجغرافي واحد لا تفصله حدود او مسافات ؛ فكيف يعقل ان تفكر شريحة دون اخرى من اليمنيين او سواهم بالإنفصال عن بقية الجسد الذي تنتمي اليه في ظل العولمة ونظام القرية الصغيرة التي اصبح يمثلها العالم او انها هي التي اصبحت تمثله؟ وهي على يقين من ان الدولة الصغيرة ستضطر لأن تكون محمية لدولة عظمى اخرى ان هي ارادت ان تنفصل عن هذا الجسد وتعيش بامن وسلام في هذا العالم بمعزل عنه.
ولعل في النظر الى النموذج الخليجي ؛ تلك الدويلات الصغيرة التي لا ترى بالعين المجردة على الخارطة الا بالمجهر مايكفينا للاستدلال على صحة ذلك..ومايغنينا في الوقت نفسه عن الاسهاب فيه...
ان دورات الحرب الاهلية ومعارك الاقتتال الداخلي التي لم تتوقف منذ تحقيق الوحدة وإستمرار مآسي العنف والصراع المسلح التي مازالت تحصد ارواح الابرياء وغير الأبرياء من أبناء هذا ألشعب جنوباً وشمالاً مرة بذريعة الدفاع عن الوحدة ومرة بفتوى القضاء على الشيوعيين وثالثة بدعوى محاربة الارهابيين والدواعش للهروب من مشاريع الاصلاح والتغيير التي تهدد المشاريع الصغيرة التي تتبناها هذه الاقلية وإصرارها المستميت على رفض مشروع الفيدرالية الذي يستبطن في طواياه محاولات خطيرة للعودة باليمن الى سابق عهده ؛ ولذلك فانني اعتقد بأن الوحدة اصبحت مرهونة اليوم بتعقل هذه القوى التي ترفض هذا الخيار السديد الذي تؤيده غالببة جماهير الشعب لشكل الدولة اليمنية القادمة وإنصياعها لإرادتها فاننا نخشى أكثر ما نخشاه على مستقبل الوحدة اليمنية ككل هو ان يتحول إصرار هذه القوى التي تمثل الاقلية على معاكسة ارادة الاكثرية من تلك الجماهير التي تؤيد هذا الخيار سببا مباشرا في دفعها الى تبني مطالب الإنفصال ليس في الجنوب وحده فقط بل وفي الشمال والغرب والشرق وفي كل الاتجاهات كأخر وسيلة يمتلكونها للهروب والتخلص من شبح عودة الماضي بكل مآسيه وآلامه وادواته اليهم في ظل نظام شمولي مركزي حديدي تتحكم فيه تلك الأقلية ..
وليعلم الذين لا يعلمون بان الانفصال الاختياري أفضل بكثير من الاتحاد القهري فما ظنكم بالإتحاد الإختياري الذي اجمعت عليه كل القوى والمكونات التي مثلت الشعب اليمني بكل اطيافه ومشاربه وتوجهاته الاجتماعية والسياسية والمذهبية والثقافية جميعا دون استثناء في مؤتمر الحوار الوطني...
فلماذا اذن كل هذه العراقيل التي يضعها بعض ايتام النظام البائد أو بعضا ممن فقد السلطة بسقوط مظلة الفساد التي ظلوا يستظلون بظلها الوارف على حساب الغالبية العظمى من ابناء الشعب للحيلولة دون تنفيذ مخرجات الحوار الوطني والالتزام بارادة جماهير الشعب التي تؤيدها ..ولعلنا لسنا بحاحة للاستشهاد بكثير من وقائع التاريخ السياسي الذي مرت به الامم حتى الان لإثبات إن تجارب الوحدة والانفصال لا تدوم ابداَ اذا لم يتم ذلك اختياريا وفي التجربة اليوغسلافية والتجربة السوفياتية والمانيا وغيرها الكثير خير شاهد على هذه الحقيقة المنطقية ولذلك فان خير ما فعله اليمنيون هو انهم اختاروا الاتحاد بمحض ارادتهم ومن دون جبر أو اكراه أو فرض من قبل أية قوة.
ان اجلَّ الخيرات التي سيجنيها اليمنيون من إقام النظام الفيدرالي لإدارة شؤون حكمهم هو تفويض السلطات من المركز الى الاطراف ولن تقتصر او تنحصر او تتركز هذه السلطات بعد ذلك في العاصمة، بل ستوزع على الأطراف، وان نظام توزيع السلطات هو من أهم شروط نجاج انظمة الحكم وازدهار الشعوب فضلا عن المؤسسات وتطبيق القانون..
ان اليمنيون إنما يتطلعون من وراء تمسكهم بالنظام الفيدرالي لشكل دولتهم الوليدة الى ضمان مايكفل لهم المشاركة والمساواة في التمتع بخيرات البلاد وعدالة توزيعها والتخلص من سطوة المركز على الأطراف وان كل ما دون ذلك من الأقاويل والتهم ليست الا باطلا في باطل.
ان الدولة الاتحادية وبصرف النظر عن عدد الاقاليم التي ستشتمل عليها سوف تضع حدا لتعاقب الأنظمة الديكتاتورية الاستبدادية الانقلابية العسكرية كما انها ستنهي عهد الأنظمة الحديدية البوليسية التي ابتلينا بها منذ وقت بعيد..وستنهي نوبات الحروب الاهلية المسلحة والصراعات الوطنية بمتخلف اشكالها وصورها بين ابناء الشعب اليمني الواحد..
تعليقات