الحكم على الآخرين بالسلب يجعلنا نشعر بالكمال وبالرضا عن النفس. نحن نحكم على الآخرين غيابيا دون ان نسمع شهادتهم ودون ان نتأكد من صحة المعلومات التي استندنا عليها. السؤال- لماذا نتسرّع بالحكم على الآخرين؟ الاجابة- لاننا لا نريد المواجهة ونخشى من الحقيقة !
نحن نسارع بالحكم على الآخرين دون ان نقوم باستدعائهم او الاستماع لشهاداتهم او التمحّص ببيّناتهم او تفهّم وجهات نظرهم. تكفينا ذرة واحده من المعلومات او حادِثه عرضية او نظره استثنائية او اشاعة مغرّضة لنقوم بالحكم القاطع على الآخرين ولنأخذ منهم من بعدها موقفا ازليا لا يتزعزع ولا يتغيّرمهما اوتينا من البيّنات المعاكسه والمستجدّات المدحضة ومهما ادّعوا باننا جائرون في الحكم عليهم.
عندما يقوم صديق لنا بالتذمر من سوء معاملة زوجته له لدرجة انه لا يستطيع استدعاء صديق لزيارته في بيته, نسارع بالوقوف الى جانبه والتضامن مع موقفه ونحكم عليها غيابيا بالجحود والفظاظة والتقاعس عن القيام بدورها كزوجة مُحبّة وعدم مراعاتها للاصول دون ان نسمع ادّعاءاتها عن تصرّفات زوجها وعن انقطاعه التام من تأدية دوره كزوج وكأب فهو لا يعبأ باحد ولا يُفكّر الا بنفسه وبمظهره وبمأكله وكأن الدنيا كلها تتمحورحوله.
قد تكون قصة السيدتين وكيس الحلوى معروفة لقسم منكم لكن ذلك لا ينتقص من اهمية ذكرها الآن لما بها من عبر وهي في نظري من اجمل ما كُتب في التسرّع بالحكم على الآخرين. في احدى الليالي جلست سيدة في المطار لعدة ساعات في انتظار رحلة لها وأثناء فترة انتظارها ذهبت لشراء كتاب وكيس من الحلوى لتقضي بهما وقتها. فجأة وبينما هي متعمقة في القراءة أدركت أن هناك شابة صغيرة قد جلست بجانبها وأختطفت قطعة من كيس الحلوى الذي كان موضوعا بينهما. قررت أن تتجاهلها في بداية الأمر, ولكنها شعرت بالأنزعاج عندما كانت تأكل الحلوى وتنظر في الساعة بينما كانت هذه الشابة تشاركها في الأكل من الكيس أيضا. حينها بدأت بالغضب فعلا ثم فكرت في نفسها قائلة لو لم أكن امرأة متعلمة وجيدة الأخلاق لاوقفت هذه المتطاولة عند حدّها.. وهكذا في كل مرة كانت تأكل قطعة من الحلوى كانت الشابة تأكل واحدة أيضا وتستمر المحادثة المستنكرة بين أعينهما وهي متعجبة بما تفعله, ثم ان الفتاة وبهدوء وبابتسامة خفيفة قامت باختطاف آخر قطعة من الحلوى وقسمتها الى نصفين فأعطت السيدة نصفا بينما أكلت هي النصف الآخر. أخذت السيدة القطعة بسرعة وفكرت قائلة يالها من وقحة وغير مؤدبة حتى أنها لم تشكرني... بعد ذلك بلحظات سمعت الاعلان عن حلول موعد الرحلة فجمعت أمتعتها وذهبت الى بوابة صعود الطائرة دون أن تلتفت وراءها الى المكان الذي تجلس فيه تلك السارقة الوقحة. وبعدما صعدت الى الطائرة ونعمت بجلسة جميلة هادئة أرادت وضع كتابها الذي قاربت عل انهائه في الحقيبة,وهنا صعقت بالكامل مما شاهدته, فكيس الحلوى الذي اشترته موجودا في تلك الحقيبة ومليء بالحلوى وكأنه لم يُفتح. وهنا بدأت تفكر يا الهي لقد كان كيس الحلوى ذاك ملكا للشابة وقد جعلتني أشاركها به. حينها أدركت وهي متألمة بأنها هي التي كانت وقحة, غير مؤدبة ,وسارقة أيضا. كم مرة في حياتنا كنا نظن بكل ثقة ويقين بأن شيئا ما يحصل بالطريقة الصحيحة التي حكمنا عليه بها ,ولكننا نكتشف متأخرين بأن ذلك لم يكن صحيحا ..وكم مرة جعلنا فقد الثقة بالآخرين والتمسك بآرائنا, نحكم عليهم بغيرالعدل بسبب آرائنا المغرورة بعيدا عن الحق والصواب. هذا هو السبب الذي يجعلنا نفكر مرتين قبل أن نحكم على الآخرين.
باختصار نحن نقوم بالحكم على الآخرين دون ان نملك الادوات الكافية للحسم في الامور كما
هو متبع في الجهاز القضائي الذي يحكم بين الناس بالاستناد على قوانين مُشرّعة وعلى قواعد مُلزمة. اما نحن عندما نقوم بالحكم على الآخرين فنستعمل دستوراً خاصّا بنا المبني على قيم خاصة بنا وعلى سلوكيات نتوخّاها من انفسنا ومحظورات وخطوط الحمراء وضعناها لانفسنا. وهنا علينا ان نعي جيدا ان قيامنا بتبني هذه القيم وتلك المتبعات لا يجعلها مُلزمة او مقبولة على كل اطراف المجتمع.
هنالك من نحكم عليه بالبخل او الطمع او القسوة لمجرّد تجربة واحدة او حدث واحد او مشهد واحد, والسؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا نتسرع بالحكم على الآخرين؟ والاجابة على ذلك هي محاولة التهرب من مهمة تقصي الحقائق. اولا, نحن لا نملك الوقت الكافي لسماع الشهود والاراء المغايرة وتحليل البدائل الماثلة امامنا. وثانيا, الحقيقه نفسها لا تُعنينا وانما اجزاءا منها تكفينا. قد يكون حكمنا على الآخرين بالبخل هو تبرير لاسرافنا وتبذيرنا, وحكمنا عليهم بقسوة التعامل مع اولادهم انكار لعدم سيطرتنا على تربية اولادنا, واتهامنا لهم بالطمع والركض وراء المال هو انكار لتقوقعنا وعدم رغبتنا في المبادرة لتحسين اوضاعنا الاقتصادية, وحكمنا عليهم بالغرور والكبرياء يُعتقنا من محاولة الاقتراب منهم والتعرّف عليهم.
ان الحكم على الآخرين بالسلب يجعلنا نشعر بالكمال والرضا عن النفس. هم جبناء يخافون من خيالهم اما نحن فشجعان لا نعبأ بالمخاطر والصعاب. هم بخلاء لا ينفقون على راحتهم ولا يتمتعون بمالهم اما نحن فكريمون ومعطاؤون ولا نفوّت فرصه للمتعه والاستجمام. ان حكمنا على الآخرين بالسلب يريحنا من مهمة المواجهة الحقة ويعفينا من القيام بواجبنا تجاههم وهو جزء من الآراء المسبقه التي نحملها حيالهم. نحن نحكم على الآخرين بالسلب لمناصرة اصدقائنا وللوقوف الى جانب ابناء عائلتنا وطائفتنا وحارتنا وبلدتنا وخريجي المدرسة التي تعلمنا بها ان كانوا على حق وعلى غير حق
نحن نسارع بالحكم على الآخرين دون ان نقوم باستدعائهم او الاستماع لشهاداتهم او التمحّص ببيّناتهم او تفهّم وجهات نظرهم. تكفينا ذرة واحده من المعلومات او حادِثه عرضية او نظره استثنائية او اشاعة مغرّضة لنقوم بالحكم القاطع على الآخرين ولنأخذ منهم من بعدها موقفا ازليا لا يتزعزع ولا يتغيّرمهما اوتينا من البيّنات المعاكسه والمستجدّات المدحضة ومهما ادّعوا باننا جائرون في الحكم عليهم.
عندما يقوم صديق لنا بالتذمر من سوء معاملة زوجته له لدرجة انه لا يستطيع استدعاء صديق لزيارته في بيته, نسارع بالوقوف الى جانبه والتضامن مع موقفه ونحكم عليها غيابيا بالجحود والفظاظة والتقاعس عن القيام بدورها كزوجة مُحبّة وعدم مراعاتها للاصول دون ان نسمع ادّعاءاتها عن تصرّفات زوجها وعن انقطاعه التام من تأدية دوره كزوج وكأب فهو لا يعبأ باحد ولا يُفكّر الا بنفسه وبمظهره وبمأكله وكأن الدنيا كلها تتمحورحوله.
قد تكون قصة السيدتين وكيس الحلوى معروفة لقسم منكم لكن ذلك لا ينتقص من اهمية ذكرها الآن لما بها من عبر وهي في نظري من اجمل ما كُتب في التسرّع بالحكم على الآخرين. في احدى الليالي جلست سيدة في المطار لعدة ساعات في انتظار رحلة لها وأثناء فترة انتظارها ذهبت لشراء كتاب وكيس من الحلوى لتقضي بهما وقتها. فجأة وبينما هي متعمقة في القراءة أدركت أن هناك شابة صغيرة قد جلست بجانبها وأختطفت قطعة من كيس الحلوى الذي كان موضوعا بينهما. قررت أن تتجاهلها في بداية الأمر, ولكنها شعرت بالأنزعاج عندما كانت تأكل الحلوى وتنظر في الساعة بينما كانت هذه الشابة تشاركها في الأكل من الكيس أيضا. حينها بدأت بالغضب فعلا ثم فكرت في نفسها قائلة لو لم أكن امرأة متعلمة وجيدة الأخلاق لاوقفت هذه المتطاولة عند حدّها.. وهكذا في كل مرة كانت تأكل قطعة من الحلوى كانت الشابة تأكل واحدة أيضا وتستمر المحادثة المستنكرة بين أعينهما وهي متعجبة بما تفعله, ثم ان الفتاة وبهدوء وبابتسامة خفيفة قامت باختطاف آخر قطعة من الحلوى وقسمتها الى نصفين فأعطت السيدة نصفا بينما أكلت هي النصف الآخر. أخذت السيدة القطعة بسرعة وفكرت قائلة يالها من وقحة وغير مؤدبة حتى أنها لم تشكرني... بعد ذلك بلحظات سمعت الاعلان عن حلول موعد الرحلة فجمعت أمتعتها وذهبت الى بوابة صعود الطائرة دون أن تلتفت وراءها الى المكان الذي تجلس فيه تلك السارقة الوقحة. وبعدما صعدت الى الطائرة ونعمت بجلسة جميلة هادئة أرادت وضع كتابها الذي قاربت عل انهائه في الحقيبة,وهنا صعقت بالكامل مما شاهدته, فكيس الحلوى الذي اشترته موجودا في تلك الحقيبة ومليء بالحلوى وكأنه لم يُفتح. وهنا بدأت تفكر يا الهي لقد كان كيس الحلوى ذاك ملكا للشابة وقد جعلتني أشاركها به. حينها أدركت وهي متألمة بأنها هي التي كانت وقحة, غير مؤدبة ,وسارقة أيضا. كم مرة في حياتنا كنا نظن بكل ثقة ويقين بأن شيئا ما يحصل بالطريقة الصحيحة التي حكمنا عليه بها ,ولكننا نكتشف متأخرين بأن ذلك لم يكن صحيحا ..وكم مرة جعلنا فقد الثقة بالآخرين والتمسك بآرائنا, نحكم عليهم بغيرالعدل بسبب آرائنا المغرورة بعيدا عن الحق والصواب. هذا هو السبب الذي يجعلنا نفكر مرتين قبل أن نحكم على الآخرين.
باختصار نحن نقوم بالحكم على الآخرين دون ان نملك الادوات الكافية للحسم في الامور كما
هو متبع في الجهاز القضائي الذي يحكم بين الناس بالاستناد على قوانين مُشرّعة وعلى قواعد مُلزمة. اما نحن عندما نقوم بالحكم على الآخرين فنستعمل دستوراً خاصّا بنا المبني على قيم خاصة بنا وعلى سلوكيات نتوخّاها من انفسنا ومحظورات وخطوط الحمراء وضعناها لانفسنا. وهنا علينا ان نعي جيدا ان قيامنا بتبني هذه القيم وتلك المتبعات لا يجعلها مُلزمة او مقبولة على كل اطراف المجتمع.
هنالك من نحكم عليه بالبخل او الطمع او القسوة لمجرّد تجربة واحدة او حدث واحد او مشهد واحد, والسؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا نتسرع بالحكم على الآخرين؟ والاجابة على ذلك هي محاولة التهرب من مهمة تقصي الحقائق. اولا, نحن لا نملك الوقت الكافي لسماع الشهود والاراء المغايرة وتحليل البدائل الماثلة امامنا. وثانيا, الحقيقه نفسها لا تُعنينا وانما اجزاءا منها تكفينا. قد يكون حكمنا على الآخرين بالبخل هو تبرير لاسرافنا وتبذيرنا, وحكمنا عليهم بقسوة التعامل مع اولادهم انكار لعدم سيطرتنا على تربية اولادنا, واتهامنا لهم بالطمع والركض وراء المال هو انكار لتقوقعنا وعدم رغبتنا في المبادرة لتحسين اوضاعنا الاقتصادية, وحكمنا عليهم بالغرور والكبرياء يُعتقنا من محاولة الاقتراب منهم والتعرّف عليهم.
ان الحكم على الآخرين بالسلب يجعلنا نشعر بالكمال والرضا عن النفس. هم جبناء يخافون من خيالهم اما نحن فشجعان لا نعبأ بالمخاطر والصعاب. هم بخلاء لا ينفقون على راحتهم ولا يتمتعون بمالهم اما نحن فكريمون ومعطاؤون ولا نفوّت فرصه للمتعه والاستجمام. ان حكمنا على الآخرين بالسلب يريحنا من مهمة المواجهة الحقة ويعفينا من القيام بواجبنا تجاههم وهو جزء من الآراء المسبقه التي نحملها حيالهم. نحن نحكم على الآخرين بالسلب لمناصرة اصدقائنا وللوقوف الى جانب ابناء عائلتنا وطائفتنا وحارتنا وبلدتنا وخريجي المدرسة التي تعلمنا بها ان كانوا على حق وعلى غير حق
تعليقات