انها لحظات من السرور ، تشغلك عن مرارات الشهور العشرة الماضية بل تلهيك عن مرارات كل السنين وظلام الظالمين، وذلك عندما ترقب عصبة الجبابرة تهوي من قمم الطغيان، في لحظة تعتقد هذه العصبة أنها باقية أبد الدهر!.. فيزداد إيمانك بصواب سنن الله عز وجل في أرضه وعباده، ويشتد يقينك، بأن إمبراطوريات القهر، لا تسقط إلا من ذروة الظلم والجبروت، ليكون سقوطها عبرة للعالمين!.. على خطا هذه السنن الربانية الخالدة، سقط قوم عاد وثمود.. وسقط فرعون وكسرى.. .. وبن علي ومبارك والقذافي.. واخيرا سقطت مملكة الوحوش الصالحية هنا في ارض السعيدة .. أية أسطورة هي هذه الثورة اليمنية ؟!.. وأي عصر هو هذا العصر االيمني، وأي صفحات للتاريخ البشري ستتسع ليوميات غضبة اليمن، المضرجة بالدم وزغاريد الحرائر وعبق الحرية وأناشيد الأطفال وصولات الرجال وزفرات الشهداء ومصابرة الأمهات؟!.. أية خسة هي هذه لهولاء الجبابرة وهل ستتحمل صفحات التاريخ وطأة شذاذ الآفاق، الملطخين بالعار والشنار، الذين اختطفوااليمن من اهلها عنوة طوال هذه العشرات من السنين العجاف؟!.. نعم.. سقط الساقطون، بمجرميهم وسفلتهم وأبواقهم وطبولهم ومنافقيهم وبلاطجتهم.. وأوكارهم.. وقبائلهم وجعجعة حلفائهم وفحيح أنصارهم.. وخياناتهم ومكرهم وتفاهتهم!.. وانتصرت الصدور العارية والعقول العبقرية والإرادة المستمدة من قوة الايمان بالحرية .. انتصرت القلوب الطاهرة التي قهرت الخوف والباطل، والحناجر التي تصدت لدوي المدافع وزمجرة الرصاص.. انتصر الدم الهادر في أروقة صرح الحرية.. انتصراليمنيون وتحقق الحلم.. بل تحققت الأسطورة!.. لماذا هذا التريث في الكتابة؟.. !.. يسألني كثير من القراءوالاصدقاء عبر الفيس بوك .. فأجيب مازحا، في مرارة بطعم كلفة ثورة اليمنيون وثمن حريتهم: كنت منشغلا، أراقب جزار الشعب وهو يمضي ويوقع على المبادرة بتلك اليد التي احترقت ذات يوم بنفس السلاح الذي اشتراه من مال الشعب ليقتله به فكان اول المحترقين بنيرانه ، كنت أتحسس يأسه وسقوطه، من براثن زمجرته الجوفاء.. كنت أتابع لحظات انهياره البطئ وكنت اتذكر اصوات عبده الجندي وياسر اليماني وطارق الشامي والبركاني في تلك اللحظات وهم ينبحون ويستهبلون الناس ويتغابون ويولولون ويتشدقون وينافقون ويدجلون ويشعوذون، بلا خجل ولا حياء، ولا ضمير ولا مروءة ولا أخلاق!.. كنت اتذكر –مندهشا- أصحاب الألسنة الطويلة وأبناء فكر الوهم، وأهل الانبطاح والانفتاح، من هواة القذف والحذف وبذاءة الاتهام وضراوةالتصريحات وشدة البهتان، الذين كانوا يعتبرون التعرض لجرائم النظام.. جريمة، ويعدون الحديث عن الثورة وجراحاتها خرقا وخروجا عن ملة القوم، وجناية على الحلول (الوهمية) مع الوحوش الضالة .. كنت اتذكرهم وارمقهم وهم يملأون –هذه الأيام- شاشات القنوات الفضائية وصفحات الإعلام الورقي والإليكتروني، وقد صاروا –بقدرة قادر- أبطال ثورة، وعباقرة سياسة، وصناديد المواجهة التي لا يُشق لهم فيها غبار، وأهل التاريخ النضالي الحافل المزعوم!.. أفلا تحتاج متابعة كل ذلك وقتا.. وجهدا.. وغيابا؟!!.. سقط الساقطون، ولن يستطيع ، أن يحميهم من ارتطامهم بقاع جهنم حامي ، ولن تملك هذه الاصوات لمنع تدحرج رأسه ورؤوس أزلامه ، إلى هاوية تصنعها ثورة أسطورية، له ولأشباهه من المتآمرين المارقين المشعوذين المعتدين المجرمين.. ولن يبقى أثر لبوق أو طبل منحط يجعجع على الهواء مباشرة!.. لااحبذ لهذه المقالة أن تكتبها مشاعري وعواطفي، مع أن للعواطف وللمشاعرصدقها ، ومتى انفجرت لا تجد سدا يحدها، ولا أريدها قصيدة للفرح فبشاعة جريمة الاغتصاب الصعلوكي من حثالة وحقراء المجتمع، الذي تعرضت له هذه البلد وحظي بتأييد مغيبي العقل ومسلوبي الذاكرة الذين شاخت السنين بالبعض منهم وفضلوا أن يتقيئوا تخاريفهم في مكبات القذارة الوطنية ردا على جميل تكريمهم من يد صعاليك المجازر الجماعية من هم اقل ممن هم دون مستوى المرحلة. لا أريد لمقالتي أن تكون كذلك، ولكني سأقف من خلالها في هذا اليوم التاريخي العظيم بعظمة ماتحقق فيهابعد مرور اكثرمن عشرة اشهرمن بداية الثورة التى اشعل فتيلها الشباب ومن بعدها جميع فئات الشعب .اليوم وبعد اجتياح المظاهرات لجميع انحاء الجمهورية تندد بالحكم الظالم والفاسد لذلك الحاكم الذى ظل جاثما على قلب الشعب على مدار ثلاثة وثلاثون عاما . اليوم وبعد 10اشهرمن مناداه الشعب بكل اطيافه مطالبين بأسقاط هذاالنظام الفاسد واعوانه الذين عاثوا فسادابالارض والوطن ومقدرات الانسان اليمني .اليوم وبعد محاولات مستميته من الرئيس المخلوع بالبقاء الى نهاية2013 . . اليوم فقط وبعد مرور10اشهر وبعد سقوط المئات من الشهداء البرره مابين شباب واطفال ورجال ونساء وشيوخ ، والاف الجرحى والمصابين برصاص بلاطجتة وجنود الات البطش والتنكيل التي استحوذ عليها لحمايته وحده .رضخ اخيرا الطاغيه وقبل ان يرحل عن سدة الحكم . رضخ بعد ان سال دماء شعبه الذى طالما ادعى انه راعيا له محافظا عليه .رضخ بعد ان ابكى الشعب على ابنائه ضحايا تلك الثورة . رحل بعد ان طلب منه الشعب الرحيل فلم يرحل الا بعد كل هذا الويل والعذاب أخيراً وقع الطاغية على المبادرة الخليجية ،و رضخ مرغما لإرادة الشعب الذي أعلن ومنذ اليوم الأول للثورة "الشعب يريد إسقاط النظام ". رضخ الطاغية بعدثلاثة و ثلاثين عاما أذاق فيها الشعب الذل والمهانة وجعل من اليمن دولة ضعيفة ..مهانة ..لاقيمة لها ولاوزن وجعل منها مرتعا لأعوانه الذين نهبوا خيراتها ومصوا دماء شعبها..سرق الثروة ..نشر السرطان..قمع الحرية رحل الطاغية ولن يرحم التاريخ أبدا أعوانه من المفسدين أو الذين نافقوا ومشوا في ركبه وظنوا أنه باق . رحل الطاغية على يد الثوار وسيذكر التاريخ كل من شارك أو أيد تلك الثورة ولو بالدعاء وهو أضعف الإيمان. .. . اخيرا وبعد استعلاء نرجسي طويل، رضخ النظام ممثلا بهذا الطاغية فجأة للتوقيع على بنود المبادرة الخليجية ، التي لطالما تعامل معها بتكتيكات مخادعة ومراوغات مكشوفة لشراء الوقت،والتهرب والمماطلة والتسويف والشعب اليمني يحترق بلحظات الترقب والانتظار ولم يصدق حتى اللحظة الاخيرة بانه سيوقع عليها كما لم يصدقه في كل مرة حتى وقع عليها فعلا-ليضع بذلك حدا نهائيا، وإلى الأبد، لمفهوم الاستبداد وحكم الفرد .لا رئيس سيحكم للأبد بعد الآن في اليمن...لا تمديد ولا تجديد ولا توريث...بل تداول سلمي للسلطة، وفقا للقواعد الديمقراطية التي تعارف عليها، سائر «خلق الله». والان فان السبيل الوحيد للخروج باليمن من عنق الزجاجة ان يتطهر الجميع وتصفي النفوس . بالامتناع عن حملات التشويش والتشويه و التخوين . أن يرتقي الجميع فوق المصالح الخاصة وان يتوحد الفرد في الجماعة .أن يتفق الفرقاء ويتصالح الخصوم . ان تكون لغة الاحترام وتقبل الاخر هي سمة القوي السياسية . أن تكون مصلحة الوطن الهدف الأسمي والأغلي. ما يواجهه الوطن مسؤولية الجميع وان سقط الوطن لا قدر الله سيدفع الجميع الثمن فلتكونوا جميعا علي قدر المسؤولية الملقاة علي عاتقكم حتي لا يحاكمكم التاريخ والاجيال القادمة! فكلنا يدرك ان اتفاق الكلمة ووحدة الرأي وتوحد المجتمع قوة للثورة , وبدون ذلك لا يستطيع أي مجتمع ان يتقدم بحاضره ومستقبله الى الأمام , ونحن حينما نتحدث عن تلك القوة , فنحن نقصد بذلك , تلك النزعة الفكرية الوحدوية التي تفضي بالأفراد الى الارتقاء بمستوى الوعي العام بهدف تحقيق نهضة المجتمع ومدنيته ورقيه بالرغم من التناقضات الثورية في الأفكار والتوجهات والآراء بين أفراده , وبالطبع فإننا من جهة لا يمكن ان نلغي مفهوم النزاعات الاجتماعية التي تنشا جراء التناقضات الفكرية والسياسية والثورية والثقافية حتى في ظل وحدة الشعب على هدف معين واتفاق الرأي في أي مجتمع , وكما يقال فان الاتفاق المجرد إضرار بالمجتمع في الوقت ذاته , فالمجتمع المتحرك هو ذلك المجتمع ( الذي يحتوي في داخله على جهتين متضادتين على الأقل , حيث تدعو كل جهة الى نوع من المبادئ التي تخالف ما تدعو إليه الجهة الأخرى ) , وهذا بالطبع لا يعد أمر غير ايجابي او يمكن ان يؤدي بالمجتمع الى التفكك والانهيار , ان أحسن الشعب استغلال ذلك التناقض والتضاد لصالح الوحدة الوطنية ومصلحة الوطن . كما إننا من جهة أخرى لا يمكن ان نطلق على تلك التناقضات بالصراعات الثورية او السياسية والفكرية السلبية , فظاهرة الاختلاف والتناقض في أي ثورة او حراك سياسي هو أمر صحي ولابد منه , بشرط ان يهدف في نهاية المطاف الى خدمة الشعب ووحدة كلمته ولم شمله , - وبمعنى آخر- ان يغلب على تلك الصراعات النزعة الاجتماعية والسياسية العامة وليس النزعة الشخصية المتطرفة بل تلك التي تبحث عن الاقتناع او الاقناع . وهو ما يجب ان تدركه اطراف الحراك الثوري لأي شعب – واقصد – الشعب بجميع طوائفه وكياناته وتنظيماته , وبدون الاتفاق على وحدة الكلمة والرأي , ستدب الخلافات والنزاعات مما يؤدي في نهاية المطاف الى انتشارالفوضى والعنف والانقسام وفقدان الثقة في تكتلات الشعب نحو بعضها البعض , يجب في هذه الحالة تغليب صوت العقل والحكمة والمصلحة الوطنية فوق كل الأصوات والمصالح الشخصية , فالساحة الثورية لمجتمع من المجتمعات , تعكس بوجودها الدور المستقل للفكر والعقل كوسيلة توحيد للجماعة تعمل من خلال رفع مستوى الصراع من مستوى الصراع العدواني والحرب الأهلية الى تناقض فكري يجب حله من خلال العمل السياسي , وهذا الأخير بالطبع يتمثل في الحلول السلمية التي يتوافق عليها الطرفين كحلول تحقق مصلحة واهداف كل الاطراف الوطنية داخل الساحة الثورية . وبزوال صوت الحكمة والعقل والفكر وتغليب المصلحة الوطنية سيسود صوت الفوضى ويطغى العنف , ويتحول التناقض الثوري الصحي الى صراع عصبي وحرب تفتك بالاستقرار والأمن والسلام الداخلي بالشعب والمجتمع , وبزوال التوافق الوطني كوسيلة ديمقراطية لتوحيد رؤى الشعب وتيارات الثورة , وفقدان العقل الاجتماعي ستنجرف الثورة وتتحول أزمتها الثقافية من مستوى الصراع السياسي الثوري الى مستوى الحرب ويترافق العنف الثقافي او الاجتماعي او السياسي بصورة دائمة بالعنف الثوري , ويعكس ذلك دائما دخول المجتمع في حالة من الازمة وعدم الاستقرار وبالتالي فان الوسيلة الناجعة لتحقيق قوة الكلمة ووحدة المجتمع وتوازنه هو في ان تتوحد الآراء والأفكار والتوجهات السياسية والثورية في إطار ثقافي واجتماعي في ساحة الوطن , تدفعها المصلحة العلياء للشعب نحو تحقيق الهدف العام وهو الاستقرار الحضاري والارتقاء بالمجتمع المدني . غير أن المشكلة تظل في أن الوعي بالتاريخ الجديد وتكلفة الحرية الباهظة يجعلان الناس من جهة يؤمنون بالخيار الجماهيري الشعبي في صناعته تاريخه وفي قدرته على التصرف بنضج وحكمة تعيد إلينا الثقة في ثقافة الشعب التي لم تستطع سنوات الاستبداد والتطرف إفراغها من حسها الإنساني وميلها الى الحرية والسلم، مختارة الصراع الديموقراطي الحر دون أن تسقط في متاهات الحرب القبلية او المذهبية و الأهلية المسلحة، كما لو أنها تدرك أن خيار المستبد أن يجرها الى هذا الطريق الذي سيهدم كل شيء على رؤوس الجميع ولن يبقى لا الوطن ولا الحلم، ولا حتى التاريخ الذي نثق الآن في حكمه المستقبلي على المرحلة الحالية. إن المتخوفين، وأنا واحد منهم، يشعرون بأن هذه اللحظة التاريخية الفارقة في تاريخ اليمن مفتوحة على كل شيء، وبأن هناك أسئلة يجب عدم حجبها مهما تكن الظروف (إن التسلح بالروح النقدية في مثل هذه اللحظات المؤلمة هو مربط الوعي النقدي دائما) وبأن الصراع هو صراع من أجل فوز الحركة التاريخية التي يجب أن تذهب إلى ممكنات الحلم فتحققه، وتقفز بنا من حال فقدنا فيها الرغبة في العيش، إلى حال يحلو لنا فيها العيش. كيف يتحقق ذلك؟ لا أدري. لأن لا أحد يعرف ما هي الاحتمالات الآن. غير أننا ندرك أن صفحة ما تطوى من تاريخناالاسود ، وأن شيئا آخر يولد مكانها، صفحة جديدة نريدها في طبيعة الحال أن تستجيب لقوانين العصر لكي ننبعث مرة أخرى في حركة التاريخ التي لم تتوقف في غيابنا عنها وتركتنا متعثرين في لحظة الاستبداد تلك. إن أخطر أعداء الثورة هم من يأتونها من داخلها، إما بفعل اندساس بقايا المنظومة القديمة من الانتهازيين والمنتفعين الحربائيين لنخرها من الداخل في انتظار الانقضاض عليها، أو بفعل قصور في الرؤية لدى أنصارها الذين يخربونها من حيث يريدون حمايتها. إنك ما إن تتحدث إلى المتظاهرين والمعتصمين والمحتجين حتى تفاجأ بوعي متدني باستحقاقات الثورة في المرحلة الحالية والمرحلة القادمة ايضا لدى نسبة كبيرة منهم. ففي غياب القيادة السياسية الواعية لمبادئ الثورة وغياب دور المثقفين ، يتراجع الوعي بأن هذه الثورة مازالت في خطواتها الأولى ليحل محله الوهم بأن المهمة اكتملت ومن ثم التهافت على الفوز بنصيب من الكعكة الثورية الناضجة. إن ثورتنا في المرحلة الراهنة، بقدر ما تبعث من أمل، فهي محاطة بالأخطار والأعداء. ومن ألد أعدائها وأخطرهم هو النزعة التطرفية التي تدس السم في الدسم. فتحت عنوان حماية ثورة الجماهير الشعبية والشباب من انتهازية السياسيين الساعين إلى الركوب على منجزاتها يتستر كل الحريصين على عزل المثقفين عن جماهير شعبهم التي طالما حمل هؤلاء المثقفون آلامها وآمالها . تحويل الثورة عن أهدافها السياسية الرامية إلى تغيير نمط الحكم بدس مطالب مادية وفئوية تحرك عواطف الجماهير ذات الأفق السياسي الضيق وتعيد الثورة إلى نقطة الانطلاق بذريعة أنها لن تكتمل الا بمحاكمة النظام . ويتم ذلك وفق خطة محكمة الدهاء تعمل على محاور عدة منها عزل المناضلين السياسيين عن جماهير شعبهم من خلال تخوينهم او التلويح بفزاعة الركوب على موجة الثورة والتأكيد على أنها ثورة الشباب وحدهم دون سواهم، ومن خلال التشكيك في نوايا القوى السياسية والوطنية والشخصيات الكبيرة التي انضمت اليها من النظام .. لقد حان الوقت للإصلاح والتحول الديمقراطي لبدء الطريق نحو التخلص من التبعية والتهميش وإعادة إنتاج الفقر والتأخر والتفاوت والجهل والتسلط، وذلك من خلال الاعتراف بانهيار هذا النظام ، وإجراء مراجعة شاملة للشعارات الكبيرة المعتمدة على أفكار تجاوزها الزمن، ونقد للذات، والبدء بقبول وفهم الوقائع الجديدة وانعكاساتهاعلى مستقبل اليمن بوضع حلول للحاضر لا تستحضر من مفاهيم الماضي إلا بمقدار ما تنطوي على جدوى للحاضر والمستقبل.