للأسف نحن لا نستطيع أن نغير شيئا ، لأننا رضعنا حليب الخوف من كل شيء وشربنا مياه جردتنا من كل ما له علاقة بالإرادة الحرة ، ولأننا تربينا منذ كنا صغارا على النفاق والمخاتلة وعلى ضرورة المشي بجانب الحيطان وظلالها وعلى أن للحيطان والجدران آذان تسمع وأعين تري وألسنة تنقل دبيب النملة السوداء تحت الصخرة الصماء لمن يعيشون في قمم السلطة وعلى عدم قول لا لـ ” للحاكم ومن والاه ودار في فلكه وتنعم بنعمه وعلى السمع والطاعة وإن تأمر علينا عبد حبشي لا دين له ولا ملة وعلى ترك السياسة وأخبارها وعدم الخوض فيما لا يعنينا من أمور الحكم ولأننا آمنا بما أتانا في صحف الأولين بأن السجن فيه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وخلقنا على احترام كل مذهب تحرم أصوله الكبرى وفروعه الصغرى الخروج على الحاكم ولو كان كافرا وتعلمنا ـ كرها ـ على أن من يمارس عملية الإعراب والصرف والتحويل في حق فعل ” ساس ” إنما هو مختل عقليا أو مريض نفسيا كاره حياته.
للأسف نحن لا نستطيع القيام بتغيير سياسي في اليمن لأننا تعودنا ومنذ نعومة أظافرنا على أن نجعل المعرفة نكرة والمعلوم مبنيا للمجهول والفاعل ضميرا مستترا لا تقدير له والمنصوب مرفوعا متى رفع السياط علينا أو فتح السجون لنا أو كسر منا العظام أو أسكننا ببضعة ريالات لحظة استغلاله لضعفنا وحاجتنا لها مساكن من صمت وسكوت كما تعودنا على تقديس من لا يستحق التقديس والتنويه بكل مهرج غدار وتشجيع كل مصاص للدماء ومنح لوحة الشرف لمن لا شرف له ممن أمست له همزة الوصل بمراكز صنع القرارات تتمايل رقصا ذات اليمين وذات الشمال كما تعودنا على جعل الماضي حاضرا والحاضر مستقبلا والمستقبل ماضيا فأعدنا سنوات الرصاص فينا وأحيينا سنين الاختطاف بيننا وتعايشنا مع ما ارتضوه لنا من قمع وردع وبأس وبؤس وعشنا دون محاولة التفكير في التغيير بين أحضان سياسة الجهل والتجهيل فكان ما كان من بقاء دار لقمان على حالها وتقهقرها إلى أسفل سافلين مع شعب لزعمائه باع طويل في استحمار واستغباء ابنتءه وكبت الحريات والتضييق على كل من يملك ذرة من رائحة تغيير تجري في دمه وعروقه .
.
للأسف نحن لا نستطيع لأننا نعلم علم اليقين أن السياسة في هذه البلاد سياسة ملغومة مبهمة غريبة المعالم ومجهولة الأصول والأبعاد لا يسيطر عليها إلا من أوتي حظا من أبجديات التلون ولا يتحكم فيها إلا من تخرج من المدارس الحربائية التي تلقن طلابها دروس الضحك على الذقون وفنون الدجل والمخاتة وتعلمهم كيفية الدوران مع الريح الغالبة وتدربهم على الانانية وطرق البحث عن المصلحة الشخصية أولا وأخيرا وأن الحكومة عندنا ما هي إلا “ديكور” لتزيين وتلميع وترقيع هذه السياسة أوجدوه ليكون فاقدا لكل شيء يحرك من فوق ولا يحرك ساكنا تعلق عليه الأخطاء وتمسح بجنباته الزلات وتلصق به الكبائر والصغائر وعلى الرغم من كل هذا وذاك نتوجه مع بداية كل موسم انتخابي إلى صناديق الاقتراع لنشارك في مسرحية عبثية مريرة من بدايتها إلى نهايتها ولنختار من يمثلنا في قبة خرجت من حيز العدم إلى الوجود لتجعل من حديث ” من كان يومن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ” سنة مؤكدة وجب العض عليها بالنواجذ والعمل بها آناء الليل وأطراف النهار .
نعم نحن لا نستطيع أن نعيد تجربة تونس ومصر ومن بعدهما ليبيا لأننا نسمع كل يوم عن الخيرات الموجودة في هذا البلد سواء التي تزخر بها أرضه أو التي تفيض بها سواحله أو التي تخزنها غياهب تربته ولا نتساءل لماذا الغلاء ينخر جيوبنا ولماذا السواد الاعظم من الشعب يموت من الفقر وجحيمه فيما البقية الباقية تموت بجملة من الأمراض ولم تجد ما تشفي به عللها ولماذا لا يجد البعض إلا الشوارع والاسواق سكنا لهم ولذويهم ولا نتساءل لماذا لا توزع الملايير التي تهدر على مهرجانات مناصرة الرئيس في التحرير ونصب الخيام وتقديم الاكلات لهم (والقات)الفاخر من اموال هذا الشعب والأغاني والسفريات وباقي المهرجانات -التي لم تعد تخلو من حوادث تزهق الأرواح وتزعج المواطن- على فقراء الشعب ومعطليه ولا نتحرك إلا إذا سمح لنا بالتحرك وفق ما رسمه وقرره لنا المخرج للتحرك ونسج له في الكواليس المخفية .
.
للأسف نحن أيضا لا نستطيع أن نفعل ما فعله أبناء تونس ومصر واليوم ليبيا وبناتهما شأننا في ذلك شأن كل شعب يسبح في بحار الأمية والتخلف والجهل ويعوم في مستنقعات الخوف المميت ويغتسل بمياه الاستبداد ويستحم في برك تعددية حزبية مشلولة الأطراف مقطوعة الرؤوس ويستجم بما جادوا عليه أيام الحملات الانتخابية ولن يغير مثل هذا الشعب من الواقع شيئا حتى يغير كل مواطن فيه ما بنفسه مما ذكرنا من مساوئ تعتري هذه الأنفس ومما لم نذكر وهذه هي مهمة المثقفين والمفكرين والإعلاميين والمناضلين الأحرار منهم والذين هم ” نص نص ” ، أما غير ذلك فلن يكون إلا زوبعات في فناجين وجعجعات من غير طحين تعطي لكل مستبد وطاغية في كل منطقة حجة أخرى لتصريف كل ثورة في خدمة ما يجمعونه من ثورة .
إ
تعليقات