لعبة الادوار السياسية والمذهبية على الشعب


حين يكون الشعب هو الهدف المستهدف بالاعمال والمجازر الارهابية الوحشية البشعة الغادرة التي يتبناها اعداء الحياة وتجار الموت وسماسرة الدماء ومافيات النفوس البريئة والارواح الطاهرة ليصيبوا بها وبعناية الرامي المتمرس ودقة القناص المتمترس الفئة الشابة الواعدة فيه على وجه الخصوص من بين الجميع بالمحشر الجماعي الاليم الذي حصدهم على حين غرة هذه المرة حيث يفترض ان يجدوا امانهم فيه امام "كلية الشرطة " ، فحصدهم هناك كما ظل وسيظل يحصد كثيرون غيرهم من قبل ومن بعد على مساحات شاسعة من ارض هذا الوطن وابناءه الابرياء ليتركهم اجساداً متناثرة واشلاءً متطايرة وجثثاُ هامدة على قارعة الطريق ودماء اكتسى بلونها الشارع الذي توافدوا اليه في سباقهم الحميم مع القدر الذي كان يترصد لهم المراصد قبل ان تستيقظ العصافير من اعشاشها لملاحقة حلمها المفقود فيه بعد ان تراءى لها في الافق من خلف الضباب قبل ان تسرقه عنهم عصابات العبث وايادي الفساد ومصاصي الدماء فتحيله من حلمٍ لطالما راودهم في الحياة الى كابوس مخيف وشبح لليأس يطاردهم في كل مكان....إنها شريحة الشباب وحدهم الذين استهدفتهم قنابل الغدر والاجرام هذه المرة فكانوا الضحية المنتقاه لمآسيها.. واي فئة من الشباب هم تلك التي انتقوها للموت الجماعي الغادرالذي نصبوه لهم ....انهم طلاب العلم من خريجي الثانوية العامة الذين فزوا من مضاجع نومهم المسكونة باشباح اليأس وظلمات الخيبة والانكسار التي مافتئت تصارعهم وتعترض سُبُل مستقبلهم المشرق لتغتصب احلامهم الوردية وتخنق تطلعاتهم الندية فيه قبل بزوغ قرص شمس يومهم الجديد بعد ليل طويل مدلهم وحالك السواد مر عليهم ككل لياليهم الطويلة المدلهمة الحالكة التي مرت عليهم في جنبات هذا الوطن المكلوم والامل الوحيد الذي ابقاه لهم الزمن في الديجور الاخير من الليل يخالجهم ويستنفس مشاعرهم المرهفة ويتحدى قسوة البرد وزمهرير السحر القارس ويغالب جفونهم التي كحلها الارق في الفوز بالفرصة التي ستخرجهم من ظلمات حاضرهم الموؤد الى نور مستقبلهم الموعود قبل ان يغتالها الانتهازيون من قناصي الاحلام والآمال والحقوق العابثين بحياة ومصير هذا الشعب وثرواته وناهبي خيراته فيعرضونها للبيع كما باعوا ثرواته وحقوقه وممتلكاته من قبل في مناقصات جشعهم الرخيصة واسواق انانيتهم المتخمة بالسحت والمال الحرام لمن لايستحقها منهم...لذلك فقد بات هولاء الطلاب ليلتهم الطويلة متأهبين بالخوف والفزع وهم يعدّون الثواني ويحسبون اللحظات لحظة بلحظة ترقباً لموعد إنطلاقهم المبكر لإقتناصها قبل فوات الاوان رغم ضعف الامل الذي حملهم على ذلك في وطن اصبح مثل غابة للوحوش وشأنهم فيه مع المفسدين كشأن الغزلان الوديعة مع الوحوش الكاسرة فيها....
فحين نرى مشهد مأساوي مثير للرعب والحزن والبؤس والاسى كهذا الذي بتنا نراه منذ زمن وهو يتكرر امام اعيننا تباعاً مرة تلو اخرى على مسرح الجرائم الارهابية التي تستهدفنا كشعب على هذه الارض....فانه ينبغي علينا والحال كذلك ان نعي ونفهم وندرك مضمون وفحوى ومحتوى الفكرة المقصوده من الرسالة الدموية الموجهة الينا عبر هذا المنطق اللعين وبتلك اللغة الاليمة باعتبارنا مواطنين في إنتماءنا الفردي والجماعي للهوية الوطنية والقومية الواحدة التي ينتمي اليها هذا الشعب ، والمعنيين وحدنا كشعب باستلامها وقرائتها وتفسيرها تفسيراً صحيحاً صائباً من بين بقية الاطراف والقوى السياسية والتنظيمية والدينية والمذهبية والطائفية التي تقوم بتمثيل ادوار مختلفة امامنا بحسب ماتقتضيه منها طبيعة المشاريع والمخططات والاجندة الاستعمارية الدولية الخارجية التي تحركها وترتبط بها ..والتي تستهدف تقسيمنا الى دويلات صغيره ومتفرقة لضمان فرض سيطرتها الكاملة علينا وعلى مقدراتنا الوطنية عبر ذلك...
واذا اتخذنا من هذه الفرضية باعتبارها الحقيقة المخفية عنا مرجعاً لتفسير مضمون تلك الرسالة فسنجد ان الجريمة التي حملتها الينا لا علاقة لها البتة بطبيعة ونوازع واسباب الصراع السياسي الذي تظهره لنا تلك القوى والاحزاب والتنظيمات السياسية التي تقوم بهذا الدور امامنا لتبرير الجرائم التي تتولى تنفيذها او تبريرها لخدمة مصالح تلك القوى الخارجية التي تقتضي ان تكون هذه الاطراف السياسية المتصارعة هي المسؤلة والمتهمة وحدها على الدوام بهذه الجرائم امام الشعب نيابة عنها.. إلا ان الواقع الذي يعبر عنه هذا العمل الاجرامي ذاته يدل عندما يستهدف الابرياء دون سواهم من ابناء هذا الشعب على انه لا يخدم مصلحة اي طرف من هذه الاطراف والقوى السياسية التي يمكن ان تتبنى مثل هذا الصراع لتحقيق مصلحة سياسية او مذهبية او وطنية معينة من وراه ، وحتى لو كان الحقد او الرغبة في الإنتقام او الثأر الوطني والمذهبي والسياسي الذي يحاولون باساليب كثيرة الايحاء من خلالها الينا بانه هو الدافع الذي يقف خلفهم ويحرك فيهم هذه النزعة الإجرامية ويثير لديهم الرغبة العارمة في الانتقام . فإن استهداف الشعب بهذه الجرائم لايمكن ان يعبر باي حال من الاحوال او تفسير من التفسيرات عن هذا الدافع او يدل عليه ولا يمكن ان يطفي نيران الحقد وحرائق الانتقام التي تشتعل في نفوسهم المريضة او ان يحقق غاياتهم الانتقامية من بعضهم البعض.....
ان كل هذه القوى وهي تتبنى صراعاً وهميا ومفتعلاً بينها كهذا الذي تتبناه امام الشعب كما تتبنى في الوقت نفسه - وبصورة إيحائية غير مباشرة تقوم بتوصيلها اليه عبر كثير من الوسائط والقنوات التي اعدت لهذا الغرض - المسؤلية عن هذه الجرائم الجماعية البشعة ،، فان كل هذه القوى -كما اشرنا - تدرك وتعلم اكثر من غيرها بانه لاذنب ولا علاقة لهولاء الضحايا الابرياء الذين يسقطون بلا مبرر حقيقي جلي ومعقول او مقبول في إتون هذه الجرائم بصراعاتهم السياسية والمذهبية الوهمية تلك ، وان انتقام بعض هذه الاطراف من بعضها الآخر عبر استهدافهم هم وحدهم لا معنى له ولا جدوى ترجى منه بالنسبة لكل الاطراف وليس له مايفسره على الاطلاق في هذه الحالة فضلاً عن كونه لايمثل وزناً مؤثراً بالضر او بالمنفعة بالنسبة للطرفين المتصارعين معاً من الناحية السياسية والمذهبية التي لا تلتقي مع الناحية المادية لها..اي ان إنتقام طرف سياسي معين من طرف سياسي آخر مقابل له في الخصومة ــــ اذا اتخذنا من هذا الادعاء او الايحاء او التقدير دافعاً لتبرير هذه الجرائم ــــ فإن الطرف الذي يمتلك الإستعداد لقتل هولاء الإنس الابرياء وعلى ذلك النحو العشوائي الذي تمت به العملية التي استهدفتهم وحدهم دون تمييز بينهم بدعوى الانتقام من الطرف الآخر يعلم بقدر مايعلم الطرف المقصود بهذه الجريمة في الوقت نفسه بأن امر هولاء الضحايا لا يعني ولا يخص اي طرف منهما ولا يمثل له اي قيمة او اهمية او خسارة بشرية او سياسية او اجتماعية مالم يكن يمثل لهم اي مكسب او مردود مادي او سياسي طالما ان الطرف المقصود بالجريمة لم يتعرض لأي اذى منها ..وان ضحاياها انما هم في الاول والاخير اناس لا ناقة لهم ولا جمل في هذا الصراع الذي يتظاهرون به امامنا لتمرير مشاريع واجندة تخدم مصالح وسياسات وقوى دولية تسعى للهيمنة علينا عبرهم ومن خلف الادوار التي يتبادلونها بينهم وفقاً لما تقتضيه اهدافها الاستعمارية منهم..
يبقى علينا وقد وصلنا بالحديث معكم حول هذا الموضوع الى هنا ان نلقي على مسامعكم هذا التساؤل الذي يحتوي الجواب عنه على عصارة القول وفصل الخطاب التي رمينا اليها واعتصرناها بما اوردناه فيه حتى الان...فإذا كان الخطب الذي تمثله هذه الجرائم الإرهابية الدموية البشعة التي تستهدف الشعب كله لا يصيب بالضرر والخسارة التي تترتب عليه والفواجع والمآسي التي تنبثق عنه اي طرف آخر من تلك الاطراف سوى اولئك الضحايا وحدهم ومن بعدهم اهاليهم دون سواهم .. فما غاية وجدوى الإنتقام الذي يمكن ان يقوم به طرف سياسي معين ضد طرف آخر مثله من هذه الاطراف عبر إقدامه على إرتكاب هذه الجرائم بحق الشعب اذا لم تحمل خطراً حقيقياً او تهديداً استراتيجيا او ضرراً جسيماً ومباشراً عليه ..وما دعوى إنتقام طرف من طرف آخر بوسيلة يعلم بانها لا تؤذي ولا تضر إلا اطرافاً اخرى لا شأن لها بهم ...؟؟
ان كل هذه الاطراف السياسية والجماعات الدينية عندما تختلف او تتولى مهمة الانتقام من بعضها البعض فلابد ان يكون الابرياء من ابناء هذا الشعب هم الضحايا الذين يتساقطون وحدهم في جحيم هذا الانتقام...كما هو حالهم بالضبط عندما تأتلف او تتفق هذه القوى ايضاً....
والاجابة على هذا التساؤل تؤكد بأن إشاعة حالة الرعب والذعر والهلع والخوف في اوساط الشعب وصفوف المواطنين بشكل عام وزعزعة أمنهم وسكينتهم قد يكون بالنسبة لمن يهمه الامر واحد من العوامل ذات الآثار المهمة الفاعلة لتهيئة الناس على الاستعداد للقبول بنتائج ومخرجات الحوار اللا وطني التي نصت على تقسيم الوطن الواحد الى ستة إقاليم فيدرالية ..والحليم تكفيه الاشارة.. واما من لم تكفه الاشارة ليدرك مانعنيه فسيظل هدفاً مرتباً لمخططات ومجازر القتل والترويع التي تستثمر غبائه ضد غبائه...
لقد هالني ان اسمع عدد غير قليل من الناس ومن ضمنهم مثفقين وإعلاميين وهم يحللون الجريمة التي اصابت هولاء الضحايا من الشباب امام كلية الشرطة ويفسرون الغاية التي جعلت الطرف السياسي الذي دبرها وخطط لها يقدم على تنفيذها ضدهم على نحو ماجرى بانها انما تكمن في سعيه من خلالها الى إغاضة الطرف السياسي الاخر المقصود منها..فتحسرت على شعب يرى فيما يراه من الباطل ان من الممكن ان يكون الغيض وحده كسبب وكغاية معاً دافعاً كافياً او حجة دامغة لتبرير عمليات القتل الجماعي التي تستهدف الابرياء او حتى غير الابرياء من ابناءه.. واي قيمة للغيض حتى يصبح غاية عظيمة بينما يمسي القتل مجرد وسيلة للوصول اليها...


ــــــــــــــــــــــــــــ

تعليقات