-
--
تعيش اليمن هذه الايام مخاض جنين يوشك ان يخلق ويرى نور الحرية ، لكن أخذت قوى صاعدة في غفلة من خراب صنعته دكتاتورية الحاكم و حساباته الاستبدادية ، وواقع اجتماعي هش وشكل طبقة سياسية رديئة إلى محاولة جدية وشرسة لخنق هذا الأفق ، تحطيمه ومحاولة العودة به ثانية إلى المربع الأول ، حيث القمع والاستبداد وتكميم الأفواه ، وخنق كل فسح حرية التعبير من صحافة ، وثقافة ، ، وكذلك حرية اختيار شكل الحياة الاجتماعية المنسجمة مع هذا العالم والعصر...!إن حرية العقل اليمني،حرية الإنسان اليمني محط صراع حقيقي اليوم بين قوى تريد للتغير أن يستمر وان يتعمق وبين قوى تريد سلطة موشومة بلغة القوة والعنف والنهب وتحطيم الآخر ..إن الكفة في وضع سياسي راهن تميل للأسف لقوى الظلام والتخلف ، حيث القيبلة والمحسوبية والمناطقية ، ومعها تداخل الديني ضد مفهوم الدولة الحديثة كل ذلك يجعل من إشكاليات قضية الحرية عميقة وصعبة ويدور حولها صراع حقيقي يحتاج من الجميع من أولئك الذين ينتمون إلى القها وبهائها التقدم بجدية وبعناد وبصبر إلى الأمام وخلق فرص ومبادرات لزيادة وعي الناس في أهمية الحفاظ على مشروع الحرية وقيام رؤيا معرفية قوية مدعومة مجتمعيا من خلال منظمات ونخب ومؤسسات وأحزاب تقوم في آلياتها وشكل بنائها التنظيمي والفكري على نفس مفهومها العميق لكي تكون محط إشعاع فكري يغمر المجتمع برمته ..العملية ليست سهلة أطلاقا لكن التكاتف والوحدة والشروع بالتنظيم والتنسيق ودراسة ونشر تجارب الغير ، وإشاعة مفاهيم الحداثة قد تجد وتبرز آليات تغنيها الحياة والتجربة والممارسة الخصبة والفعالة في الحفاظ على مكتسبات الناس من فورة الظلم الزاحفة رويدا رويدا...!
ان التكاتف بين النخب والجماهير وإيجاد آليات تدعم ذلك كفيل بخلق مشروع وطني فعال يدعم نزوع الناس نحو الحرية والعدالة والوقوف بقوة بوجه من يريد أن تعود عقارب الساعة إلى الوراء...!
الشجاعة والصمود والبطولة تصنعها روح المواجهة الجماعية ووجود مثال حيوي ملهم أمامك وورائك وعلى جنبيك..دائما الانتصارات الكبرى في التاريخ صنعتها ارادات قوية وهيئة اركان (قيادة ) متقدمة مما أعطت دفعا لملايين من الناس العاديين والغير مرئيين في صناعة اسطورة وخلود الثورات وحروب التحرير ومعارك البقاء وأي خراب في هذه العناصر يعني اللعب بالنار وبحياة الناس ومستقبلهم وكامل احلامهم وطموحاتهم...!
من البديهي أن الخيانة لا تسقط بالتقادم الزمني..فهناك أعراف ثابتة في التوصيف والمفاهيم والمواقف تبدو متقاربة في النظرة مع اختلاف المنطلقات وهذا ما نلمسه ونعرفه وتتحدث عنه الكثير من القصص والروايات وأفلام السينما والمسلسلات في توصيف حياة اللصوص والنشالين وقطاع الطرق ورجال المافيا والتهريب..بين كل هذه الفئات المغامرة من البشر الحد الفاصل بين الخيانة ونقيضها هو قصاص عادل( رصاصة واحدة في أغلب الأحيان ) ...لكن في السياسة وخصوصا يمنيا هناك استثناء عجيب فهناك شروط خاضعة لاحتياج مصمم ومتلقي الحالة، هناك ثنائية عجيبة تشبه ( السمسرة) فيها طرف رابح دوما وهو ذلك الغشاش الماهر اللابس ثوب الحداد الأبدي المزيف على كتائب من الضحايا الممتلئين طموحا وفتوة وأحلاما نبيلة والذين يذهبون إلى حتفهم حيث يريد وحيث يختار....فقد تكون هناك تعريفات محددة للخائن السياسي ولكن مع تقادم الزمن واستثمار السياسة بعيدا عن الأهداف العاطفية والأحلام الواجبة التنفيذ استثمر السياسي المتنفذ غرض الثورة ودور البطولة والضعف كمشروع ربح رخيص لتخليد صنمه الذي وجد في سعي الناس للتغير وطموحاتهم بعالم أفضل مكانا هاما في بقاءه الأبدي سلطانا وقائدا وملهما وخالدا وبعيدا عن الشبهات وبالتالي أصبح وجوده ضرورة ومنفعة للشعب او الثورة
الحقيقة التي أريد أن أقولها اننا كنا ضحايا لجريمة كبرى بحق المواطن اشتركت بها نخب ثورية انتقامية كانت ولازالت تستثمر دمنا ولحمنا وسواعدنا لكي تستمر في دورة العيش الرغيد وحب الزعامة وتقديم الناس قرابين على مذابح الدجل والشعوذة في الأفكار وفي الجمل الثورية او الوطنية او الاستشهادية وملاذ الجنات القادمة...صحيح الحرية والحياة الكريمة ومجتمع أفضل يحتاج إلى تضحيات لكن يجب أن يكون ذلك في المكان الصحيح وتحت قيادات تتقدم المعركة لكي نتساوى في معايير الإلهام والمثال والتضحية والمساواة واختصار المعاناة والآلام وفي تحمل السهل والصعب وبالتالي أن تقود الناس لمعركة عالم أفضل ليس بطريقة مزاجية متهورة لاتكاد تخرج من الساحة وتعود اليها الا بعشرات الضحايا وإنما يجب ان يكون منعكسا وماثلا في الحقائق والوقائع والتفاصيل كما عملت الكثير من الشعوب وبالتالي دخول حلمنا الأزلي الذي لم يأتي حد اللحظة بتخطي وحل الفقر والأمية والتخلف والهزيمة....ومن المهم أساسا وفي المقدمة أن يكون الإنسان وحياة الانسان فوق أي اعتبارات ثورية لاتحقق الاهداف الوطنية النبيلة ..
اليوم ساحات الثورة مليئئة بجلادينا، فالسياسة ارتضيناها (عاهرة) ..أما دعاة فكر النظام وكتاب اطروحاته نراهم اليوم في الواجهة دعاة بطولة وتفرد..ولم أجد من مئات الكتاب من الذين صنعوا الجيش الأهم للنظام( جيش الكتاب) يعترف بماضيه بل أن مديح وكم مقالة إنشائية لتمجيد الثورة ودكاكين وقبائل أدخلتهم نسيج الحياة الثورية كأبطال ، إننا شعب طيب يبهر بالبريق الخادع والكلام المعسول وبالشعارات وبالركض وراء قشة نجاة قد تأتي بعد دهر طويل لهذا ندخل الخراب مرة تلو الأخرى وبرضا عجيب..!
أما نحن كشعب مشتت وأسير ماض تعيس وقيادات ميتة لا نريد أن نتحرك للأمام لإنقاذ الناس من براثن هذا الخراب والإجحاف، لا نريد أن نضع تصورات تحفظ قيمة حياة الفرد، لا نريد أن نتخلص من ارث القبائل ومن دهاليز التضحيات التي تسفك باسم الوطن والحرية وهي في الحقيقة انما تسفك كي يفصلوا منها قميصا لعثمان الذي رفعه معاوية ذات يوم ليؤسس منهج لمن بعده ،
نحن نجلد بعضنا البعض بقسوة غير طبيعية ونضع الثورةالتي يفترض انها جاءت لخدمتنا فوق المحبة التي يجب أن تسود بيننا وتلك هي أولى محطات تحطيم المنظومة الطبيعية لمشاعر الإنسان...هناك حقيقة فينا القوي والضعيف لكن الثابت اننا في كلا الحالتين كنا ضحايا لفن الاستثمار الرخيص..
دعوة أوجهها بإخلاص وصدق ومحبة للثوار ولكل مناضل أن نقضي اخر ما تبقى من أعمارنا وإمكانياتنا لفضح اغتصاب وخيانة وطن بكاملة وذبحه من الوريد إلى الوريد لكي نصل إلى قناعة راسخة أن أي قضية مهما كانت نبيلة أو هدف مهما كان نظيفا لا يمكن أن يكون فوق أهمية البشر طالما أن الادعاء يقول أن ذلك جاء من اجل خدمة الأخير، انها ثورة فكر وإمكانياتنا مجتمعة ليست قليلة في فضح السائد ,علينا أن نتعلم من الشعوب التي صنعت مجدا يحترم الإنسان، نحن نعيش بينها لظروف معروفة لكن فكرة طرد الماضي تبدو ثقيلة في وضع خطوات جديدة على طريق التغيير والتقدم والحرية وبالتالي وقف هذا العبث المجنون في استرخاص رقاب الناس ونبتعد عن ارث شريعة الثار ومعها ثورات أزاحت تلك الإرادات الشعاراتية البغيضة...أخطائنا ( الفردية ) تبقى لا قيمة لها أمام هذا الغث السمين الذي يحاصر شعب كامل، المهمة الأكبر هو فضح القتلة وهم كثر في هذاالوطن المكلل بالأحزان والدم والبارود ورائحة الموت والفجيعة...لنؤجل بعض الحسابات فالاولويات تبدو ليست في صالح تحطيم بعضنا البعض، نحن نحتاج لزمن أكثر هدوءا لكي نحاسب على خيانة ملتبسة لظروف ملتبسة أو سقطة ( قد تكون غير موجودة أساسا فالحياة غنية بسوء الفهم والتصورات الخاطئة والتفاصيل الصغيرة التي قد تشكل موقفا قائما على الظنون رغم الحق في ذلك ) في مسيرة كنا فيها جيش متروك وخرب العدة في مواجهات وصراعات غير متكافئة وهي بأي حال ليست دعوة للتسويف أو التأجيل بل دعوة لمحاصرة من يريد لأرض أن تبقى بلا بشر وبالتالي يبدو عبثيا السؤال من يحاسب من ونحن جميعا جناة وضحايا..
نحن شعوب جديرة بتلك المهزلة بان يحكمها الأقوياء عندما يحولون أعناقنا إلى ملهاة سواء عبر المدافع والقنابل الطائشة أو بضع طلقات ..هناك مستويات وأشكال متعددة لقطف الرؤوس لكن الجوهري هو تغييب الإنسان ببساطة لا حدود لها... تلك إرادة كان الحكام يعتقدون ان لهم وحدهم فقط الحق بممارستها أما أن تزحف باتجاه أجسادهم وأرواحهم فذلك بعيد حتما عن طيات تفكيرهم الرخو..لكن تراكم الحقائق أشعلت غواية القتل للزعماء وأكدت حضورهاشعبياايضا .نحن نصنع الدكتاتور ثم نمل منه، نقوم بنزعه كسروال بالي، ثم نستبدله بجديد ننفخ فيه حتى يتعملق ليواصل فن اللعب بدماءنا...
ولكن المأساوي اننا نحن الذين نتفرج بل الأصح نساهم بهذه المسرحية الشيطانية أول الضحايا ليس على صعيد تغييب الجسد بل فقرا وجوعا وتشردا..شعب بلا ماء ولا كهرباء ولا دواء ولا بصيص أمل..ولكننا كنا دوما على استعداد ونشوة لتبديل الهتاف ( بالروح بالدم نفديك...)، استعداد في الكسل الفريد لتسليم الحاكم زمام رقابتا وعقولنا وارادتنا وثرواتنا ومصائرنا شطار وأذكياء في إنتاج هؤلاء، .لكن الجوهرواحد هو رخص تطلعاتنا وتسليم حريتنا طواعية إلى قتلة لا يرحمون...
الأغرب هوثوارنا الجدد انهم لا يتعظون بل يسيرون كما يبدو في نفس دائرة هذا المستنقع الغريب..انهم يسخرون تضحيات كبيرة لشعب من اجل محاكمة قائد واحد وبهتاف واحد يعبر عن ذات ( الطينة)المستبدة ولايرون حلا الا في الحرب وسفك دماء الناس لمحاكمة الحاكم بعد ان ظلوا يمجدونه ويصفقون له ثلاثة وثلاثون عام قبل ان يستيقظوا من سباتهم العميق على وقع ثورات عربية اخرى وهاهم اليوم يسعون لانتاج دكتاتور جديد سنتغنى بأمجاده ثلاث عقود جديدة أو أكثر..عندها سنستبدله لكي نواصل هواية إنتاج دورة الجريمة. ونزج بالشباب الى محارق الموت طلبا لمحاكمته ..وكاننا لم ندرك بعد باننا ؛(الشعوب )كنا شركاء معه في ارتكاب الجريمة ضد انفسنا ...
تحذير لكل من يلعب بمصير الناس ان النهاية كما شاهدتموهافي ليبيا بسيطة للغاية وخصوصا في يمن اليوم حيث القتل والذبح يسود بيننا منذ ماقبل الثورة ..فوسط هذه الفوضى هناك لحظات حب يقابلها ببساطة جرف للمجاري تسقط فيه هامة قد يخاف عليها البعض من الأذى جلادين ومعدومين...!
تحسسوا هاماتكم عندما تعملون منكرا...وخصوصا اللعب بحياة الآخر..فليس الدائم سوى وجه الله...فأمام اللحظات الرهيبة لن ينفع الندم ولن ينفع ان تكون جبانا أو شجاعا..كلاهما سيان ولن ينفع ذلك التبرير الأجوف الفارغ في تصوير مجرم على انه بطل، تلك قضية ستعيش إن وجدت للقادة العظام الذين أرادوا للخير أن ينتصر..!
عندما ترحل الهتافات والصور وفكرة تعظيم البشر وغطرسة القادة والشعارات والتمجيد الأجوف والشحن الفكري المتعدد الوجوه....عندما يكف الشعب في المستوى الأول عن ذلك..عندها نقول ان قادم اليمن بخير..عداها هناك دكتاتور قادم جميل الطلعة والكلمات والشعارات..ومعها سيف سيقطف رؤوسنا باستسلام عجيب كما يفعل كل مرة..!
على أية حال نهاية طاغية أو مجرم تجعل العالم أكثر أمنا وجمالا...تلك حقيقة مادية قوية هي هديتي لكل أولئك الذين يتباكون على غيابه الأبدي قبل ان يغيب إذا لم يتعظ البعض من حقائق التاريخ الرهيبة...!
نحن نتاج لثقافة استبدادية عقيمة منذ خلقنا جوهرها ذلك الدكتاتور الصغير المختبئ في ذواتنا.فهو يشاركنا بيوتنا ، شكل تعاملنا مع بعضنا البعض ومع أولادنا ، زوجاتنا ، طموحاتنا ، يدخل في تحديد مسار ارائنا، الضحك ، البكاء، خيباتنا،شراهتنا ..فصلناه على مقياسنا فهو القريب ، وهو الصديق ، والمنطق ، وروعة الوطن صيرورته وكل تاريخه الماضي والحاضر والقادم....
وان خرجنا عليها هنا أو هناك فهو خروج هامشي مستكين لا يرتقي لكشف المزيف وتحقيق نقلة نوعية تصدم وعينا الهش بكل تلك الجدية التي تخلق بديلا عميقا يؤسس لمعرفة ولثقافة ولفكر ولروح جديدة مختلفة تخرجنا من رماد وظلال ذلك الذي مسكنا قرونا وأعاق تقدمنا وانطلاقتنا نحو الأمام كما فعلت الشعوب الأخرى...!
--
تعيش اليمن هذه الايام مخاض جنين يوشك ان يخلق ويرى نور الحرية ، لكن أخذت قوى صاعدة في غفلة من خراب صنعته دكتاتورية الحاكم و حساباته الاستبدادية ، وواقع اجتماعي هش وشكل طبقة سياسية رديئة إلى محاولة جدية وشرسة لخنق هذا الأفق ، تحطيمه ومحاولة العودة به ثانية إلى المربع الأول ، حيث القمع والاستبداد وتكميم الأفواه ، وخنق كل فسح حرية التعبير من صحافة ، وثقافة ، ، وكذلك حرية اختيار شكل الحياة الاجتماعية المنسجمة مع هذا العالم والعصر...!إن حرية العقل اليمني،حرية الإنسان اليمني محط صراع حقيقي اليوم بين قوى تريد للتغير أن يستمر وان يتعمق وبين قوى تريد سلطة موشومة بلغة القوة والعنف والنهب وتحطيم الآخر ..إن الكفة في وضع سياسي راهن تميل للأسف لقوى الظلام والتخلف ، حيث القيبلة والمحسوبية والمناطقية ، ومعها تداخل الديني ضد مفهوم الدولة الحديثة كل ذلك يجعل من إشكاليات قضية الحرية عميقة وصعبة ويدور حولها صراع حقيقي يحتاج من الجميع من أولئك الذين ينتمون إلى القها وبهائها التقدم بجدية وبعناد وبصبر إلى الأمام وخلق فرص ومبادرات لزيادة وعي الناس في أهمية الحفاظ على مشروع الحرية وقيام رؤيا معرفية قوية مدعومة مجتمعيا من خلال منظمات ونخب ومؤسسات وأحزاب تقوم في آلياتها وشكل بنائها التنظيمي والفكري على نفس مفهومها العميق لكي تكون محط إشعاع فكري يغمر المجتمع برمته ..العملية ليست سهلة أطلاقا لكن التكاتف والوحدة والشروع بالتنظيم والتنسيق ودراسة ونشر تجارب الغير ، وإشاعة مفاهيم الحداثة قد تجد وتبرز آليات تغنيها الحياة والتجربة والممارسة الخصبة والفعالة في الحفاظ على مكتسبات الناس من فورة الظلم الزاحفة رويدا رويدا...!
ان التكاتف بين النخب والجماهير وإيجاد آليات تدعم ذلك كفيل بخلق مشروع وطني فعال يدعم نزوع الناس نحو الحرية والعدالة والوقوف بقوة بوجه من يريد أن تعود عقارب الساعة إلى الوراء...!
الشجاعة والصمود والبطولة تصنعها روح المواجهة الجماعية ووجود مثال حيوي ملهم أمامك وورائك وعلى جنبيك..دائما الانتصارات الكبرى في التاريخ صنعتها ارادات قوية وهيئة اركان (قيادة ) متقدمة مما أعطت دفعا لملايين من الناس العاديين والغير مرئيين في صناعة اسطورة وخلود الثورات وحروب التحرير ومعارك البقاء وأي خراب في هذه العناصر يعني اللعب بالنار وبحياة الناس ومستقبلهم وكامل احلامهم وطموحاتهم...!
من البديهي أن الخيانة لا تسقط بالتقادم الزمني..فهناك أعراف ثابتة في التوصيف والمفاهيم والمواقف تبدو متقاربة في النظرة مع اختلاف المنطلقات وهذا ما نلمسه ونعرفه وتتحدث عنه الكثير من القصص والروايات وأفلام السينما والمسلسلات في توصيف حياة اللصوص والنشالين وقطاع الطرق ورجال المافيا والتهريب..بين كل هذه الفئات المغامرة من البشر الحد الفاصل بين الخيانة ونقيضها هو قصاص عادل( رصاصة واحدة في أغلب الأحيان ) ...لكن في السياسة وخصوصا يمنيا هناك استثناء عجيب فهناك شروط خاضعة لاحتياج مصمم ومتلقي الحالة، هناك ثنائية عجيبة تشبه ( السمسرة) فيها طرف رابح دوما وهو ذلك الغشاش الماهر اللابس ثوب الحداد الأبدي المزيف على كتائب من الضحايا الممتلئين طموحا وفتوة وأحلاما نبيلة والذين يذهبون إلى حتفهم حيث يريد وحيث يختار....فقد تكون هناك تعريفات محددة للخائن السياسي ولكن مع تقادم الزمن واستثمار السياسة بعيدا عن الأهداف العاطفية والأحلام الواجبة التنفيذ استثمر السياسي المتنفذ غرض الثورة ودور البطولة والضعف كمشروع ربح رخيص لتخليد صنمه الذي وجد في سعي الناس للتغير وطموحاتهم بعالم أفضل مكانا هاما في بقاءه الأبدي سلطانا وقائدا وملهما وخالدا وبعيدا عن الشبهات وبالتالي أصبح وجوده ضرورة ومنفعة للشعب او الثورة
الحقيقة التي أريد أن أقولها اننا كنا ضحايا لجريمة كبرى بحق المواطن اشتركت بها نخب ثورية انتقامية كانت ولازالت تستثمر دمنا ولحمنا وسواعدنا لكي تستمر في دورة العيش الرغيد وحب الزعامة وتقديم الناس قرابين على مذابح الدجل والشعوذة في الأفكار وفي الجمل الثورية او الوطنية او الاستشهادية وملاذ الجنات القادمة...صحيح الحرية والحياة الكريمة ومجتمع أفضل يحتاج إلى تضحيات لكن يجب أن يكون ذلك في المكان الصحيح وتحت قيادات تتقدم المعركة لكي نتساوى في معايير الإلهام والمثال والتضحية والمساواة واختصار المعاناة والآلام وفي تحمل السهل والصعب وبالتالي أن تقود الناس لمعركة عالم أفضل ليس بطريقة مزاجية متهورة لاتكاد تخرج من الساحة وتعود اليها الا بعشرات الضحايا وإنما يجب ان يكون منعكسا وماثلا في الحقائق والوقائع والتفاصيل كما عملت الكثير من الشعوب وبالتالي دخول حلمنا الأزلي الذي لم يأتي حد اللحظة بتخطي وحل الفقر والأمية والتخلف والهزيمة....ومن المهم أساسا وفي المقدمة أن يكون الإنسان وحياة الانسان فوق أي اعتبارات ثورية لاتحقق الاهداف الوطنية النبيلة ..
اليوم ساحات الثورة مليئئة بجلادينا، فالسياسة ارتضيناها (عاهرة) ..أما دعاة فكر النظام وكتاب اطروحاته نراهم اليوم في الواجهة دعاة بطولة وتفرد..ولم أجد من مئات الكتاب من الذين صنعوا الجيش الأهم للنظام( جيش الكتاب) يعترف بماضيه بل أن مديح وكم مقالة إنشائية لتمجيد الثورة ودكاكين وقبائل أدخلتهم نسيج الحياة الثورية كأبطال ، إننا شعب طيب يبهر بالبريق الخادع والكلام المعسول وبالشعارات وبالركض وراء قشة نجاة قد تأتي بعد دهر طويل لهذا ندخل الخراب مرة تلو الأخرى وبرضا عجيب..!
أما نحن كشعب مشتت وأسير ماض تعيس وقيادات ميتة لا نريد أن نتحرك للأمام لإنقاذ الناس من براثن هذا الخراب والإجحاف، لا نريد أن نضع تصورات تحفظ قيمة حياة الفرد، لا نريد أن نتخلص من ارث القبائل ومن دهاليز التضحيات التي تسفك باسم الوطن والحرية وهي في الحقيقة انما تسفك كي يفصلوا منها قميصا لعثمان الذي رفعه معاوية ذات يوم ليؤسس منهج لمن بعده ،
نحن نجلد بعضنا البعض بقسوة غير طبيعية ونضع الثورةالتي يفترض انها جاءت لخدمتنا فوق المحبة التي يجب أن تسود بيننا وتلك هي أولى محطات تحطيم المنظومة الطبيعية لمشاعر الإنسان...هناك حقيقة فينا القوي والضعيف لكن الثابت اننا في كلا الحالتين كنا ضحايا لفن الاستثمار الرخيص..
دعوة أوجهها بإخلاص وصدق ومحبة للثوار ولكل مناضل أن نقضي اخر ما تبقى من أعمارنا وإمكانياتنا لفضح اغتصاب وخيانة وطن بكاملة وذبحه من الوريد إلى الوريد لكي نصل إلى قناعة راسخة أن أي قضية مهما كانت نبيلة أو هدف مهما كان نظيفا لا يمكن أن يكون فوق أهمية البشر طالما أن الادعاء يقول أن ذلك جاء من اجل خدمة الأخير، انها ثورة فكر وإمكانياتنا مجتمعة ليست قليلة في فضح السائد ,علينا أن نتعلم من الشعوب التي صنعت مجدا يحترم الإنسان، نحن نعيش بينها لظروف معروفة لكن فكرة طرد الماضي تبدو ثقيلة في وضع خطوات جديدة على طريق التغيير والتقدم والحرية وبالتالي وقف هذا العبث المجنون في استرخاص رقاب الناس ونبتعد عن ارث شريعة الثار ومعها ثورات أزاحت تلك الإرادات الشعاراتية البغيضة...أخطائنا ( الفردية ) تبقى لا قيمة لها أمام هذا الغث السمين الذي يحاصر شعب كامل، المهمة الأكبر هو فضح القتلة وهم كثر في هذاالوطن المكلل بالأحزان والدم والبارود ورائحة الموت والفجيعة...لنؤجل بعض الحسابات فالاولويات تبدو ليست في صالح تحطيم بعضنا البعض، نحن نحتاج لزمن أكثر هدوءا لكي نحاسب على خيانة ملتبسة لظروف ملتبسة أو سقطة ( قد تكون غير موجودة أساسا فالحياة غنية بسوء الفهم والتصورات الخاطئة والتفاصيل الصغيرة التي قد تشكل موقفا قائما على الظنون رغم الحق في ذلك ) في مسيرة كنا فيها جيش متروك وخرب العدة في مواجهات وصراعات غير متكافئة وهي بأي حال ليست دعوة للتسويف أو التأجيل بل دعوة لمحاصرة من يريد لأرض أن تبقى بلا بشر وبالتالي يبدو عبثيا السؤال من يحاسب من ونحن جميعا جناة وضحايا..
نحن شعوب جديرة بتلك المهزلة بان يحكمها الأقوياء عندما يحولون أعناقنا إلى ملهاة سواء عبر المدافع والقنابل الطائشة أو بضع طلقات ..هناك مستويات وأشكال متعددة لقطف الرؤوس لكن الجوهري هو تغييب الإنسان ببساطة لا حدود لها... تلك إرادة كان الحكام يعتقدون ان لهم وحدهم فقط الحق بممارستها أما أن تزحف باتجاه أجسادهم وأرواحهم فذلك بعيد حتما عن طيات تفكيرهم الرخو..لكن تراكم الحقائق أشعلت غواية القتل للزعماء وأكدت حضورهاشعبياايضا .نحن نصنع الدكتاتور ثم نمل منه، نقوم بنزعه كسروال بالي، ثم نستبدله بجديد ننفخ فيه حتى يتعملق ليواصل فن اللعب بدماءنا...
ولكن المأساوي اننا نحن الذين نتفرج بل الأصح نساهم بهذه المسرحية الشيطانية أول الضحايا ليس على صعيد تغييب الجسد بل فقرا وجوعا وتشردا..شعب بلا ماء ولا كهرباء ولا دواء ولا بصيص أمل..ولكننا كنا دوما على استعداد ونشوة لتبديل الهتاف ( بالروح بالدم نفديك...)، استعداد في الكسل الفريد لتسليم الحاكم زمام رقابتا وعقولنا وارادتنا وثرواتنا ومصائرنا شطار وأذكياء في إنتاج هؤلاء، .لكن الجوهرواحد هو رخص تطلعاتنا وتسليم حريتنا طواعية إلى قتلة لا يرحمون...
الأغرب هوثوارنا الجدد انهم لا يتعظون بل يسيرون كما يبدو في نفس دائرة هذا المستنقع الغريب..انهم يسخرون تضحيات كبيرة لشعب من اجل محاكمة قائد واحد وبهتاف واحد يعبر عن ذات ( الطينة)المستبدة ولايرون حلا الا في الحرب وسفك دماء الناس لمحاكمة الحاكم بعد ان ظلوا يمجدونه ويصفقون له ثلاثة وثلاثون عام قبل ان يستيقظوا من سباتهم العميق على وقع ثورات عربية اخرى وهاهم اليوم يسعون لانتاج دكتاتور جديد سنتغنى بأمجاده ثلاث عقود جديدة أو أكثر..عندها سنستبدله لكي نواصل هواية إنتاج دورة الجريمة. ونزج بالشباب الى محارق الموت طلبا لمحاكمته ..وكاننا لم ندرك بعد باننا ؛(الشعوب )كنا شركاء معه في ارتكاب الجريمة ضد انفسنا ...
تحذير لكل من يلعب بمصير الناس ان النهاية كما شاهدتموهافي ليبيا بسيطة للغاية وخصوصا في يمن اليوم حيث القتل والذبح يسود بيننا منذ ماقبل الثورة ..فوسط هذه الفوضى هناك لحظات حب يقابلها ببساطة جرف للمجاري تسقط فيه هامة قد يخاف عليها البعض من الأذى جلادين ومعدومين...!
تحسسوا هاماتكم عندما تعملون منكرا...وخصوصا اللعب بحياة الآخر..فليس الدائم سوى وجه الله...فأمام اللحظات الرهيبة لن ينفع الندم ولن ينفع ان تكون جبانا أو شجاعا..كلاهما سيان ولن ينفع ذلك التبرير الأجوف الفارغ في تصوير مجرم على انه بطل، تلك قضية ستعيش إن وجدت للقادة العظام الذين أرادوا للخير أن ينتصر..!
عندما ترحل الهتافات والصور وفكرة تعظيم البشر وغطرسة القادة والشعارات والتمجيد الأجوف والشحن الفكري المتعدد الوجوه....عندما يكف الشعب في المستوى الأول عن ذلك..عندها نقول ان قادم اليمن بخير..عداها هناك دكتاتور قادم جميل الطلعة والكلمات والشعارات..ومعها سيف سيقطف رؤوسنا باستسلام عجيب كما يفعل كل مرة..!
على أية حال نهاية طاغية أو مجرم تجعل العالم أكثر أمنا وجمالا...تلك حقيقة مادية قوية هي هديتي لكل أولئك الذين يتباكون على غيابه الأبدي قبل ان يغيب إذا لم يتعظ البعض من حقائق التاريخ الرهيبة...!
نحن نتاج لثقافة استبدادية عقيمة منذ خلقنا جوهرها ذلك الدكتاتور الصغير المختبئ في ذواتنا.فهو يشاركنا بيوتنا ، شكل تعاملنا مع بعضنا البعض ومع أولادنا ، زوجاتنا ، طموحاتنا ، يدخل في تحديد مسار ارائنا، الضحك ، البكاء، خيباتنا،شراهتنا ..فصلناه على مقياسنا فهو القريب ، وهو الصديق ، والمنطق ، وروعة الوطن صيرورته وكل تاريخه الماضي والحاضر والقادم....
وان خرجنا عليها هنا أو هناك فهو خروج هامشي مستكين لا يرتقي لكشف المزيف وتحقيق نقلة نوعية تصدم وعينا الهش بكل تلك الجدية التي تخلق بديلا عميقا يؤسس لمعرفة ولثقافة ولفكر ولروح جديدة مختلفة تخرجنا من رماد وظلال ذلك الذي مسكنا قرونا وأعاق تقدمنا وانطلاقتنا نحو الأمام كما فعلت الشعوب الأخرى...!