لاتزال الاقلام التي تنتقد او تتهجم على الصحفية بشرى المقطري تسن
اسنتها بالفتوى والتكفير . وقد وجدت من خلال تتبعي لهم فيما كتبوه عنها
شيئا من التحامل، والتسرع في الحكم، واتهام النوايا، ونقص الاستقراء،
وصياغة المسائل الفرعية صياغة اعتقادية، والظاهرية التجزيئية في التعامل مع
النصوص، وتداخل الأهواء الشخصية والسياسية مع الآراء الشرعية ورايت ان اسن
قلمي مع من سنوه قبلي في هذا الميدان ليس للدفاع عن شخص الصحفية فانا لا
اعرفهاولست بالذي تجمعه معها علائق شخصية أو اجتماعية او سياسية تؤثر
سلبا أو إيجابا على رأيي فيها وفيما طرحته من آراء مثيرة،
وانما
هدفي من وراء ذلك حصرا لا اكثر ولا اقل اظهار الحقيقة كما اراهاو بما يدفع
عنها داء التكفير والتشهير الذي يستسهله البعض اليوم،ولئن لم اكن عالم دين
او صاحب فتوى او بالغ امر فيهما ولا املك من الفهم الا مايملكه عامة الناس
من امر دينهم حين يريد المنزلقون ان ينزلقوا بعقولهم الى متاهات التحريف
والتجديف بقصد الاساءة لشخص بعينه او للدين ذاته ..
وهذا ما يمكن
تسميته (التخريب عن طريق الدين) وهو أسهل وسائل التخريب وأسرعها، لأن كل ما
يغلف بمسحة من الدين يجد طريقه سريعا لقلوب الجماهير وقناعاتهم العاطفية
وليس العقلية، وعبر هؤلاء الدعاة والمفتين يتم القفز عن مقولة (المؤمن
القوي خير من المؤمن الضعيف)، عبر إشغاله بأمور هامشية لا علاقة لها
بإيمانه بربه، ولكن بإلهائه بهذه الأمور السطحية التي لا تمت بصلة للأخلاق
والطريق المستقيم والتقدم في حياته، فقط هي تحقق الشهرة والنجومية والثراء
السريع لأولئك الدعاة،و طبيعة هذه الفتاوي لا يمكن أن يكون القصد منها
توعية الشعوب او تحذيرهم بقدر ما هو تخريب عقولها وإشغالها بأمور ثانوية
بدلا من تركيز اهتمامها على محو أميتها والارتقاء بمستواها التعليمي
والفكري، واللحاق بالتقدم العلمي والتكنولوجي الذي يكتسح العالم بسرعة
ضوئية، ونحن نعيش على هامش هذا التقدم بشكل مخزي إذ لا مساهمة لنا مطلقا
فيه، سوى انتظار ما يبتكره الأوربيون والأمريكيون واليابانيون والصينيون،
لنبدأ البحث السريع عن آية قرآنية ندعّي أنها تفسر وتتنبأ بهذا الابتكار،
لتضاف لصناعة عربية بامتياز أصبح اسمها (الإعجاز العلمي في القرآن) متناسيا
أصحاب تلك الصناعة الوهمية أن القرآن الكريم كتاب في الهداية والأخلاق
القويمة وليس كتاب في الكيمياء وعلوم الفضاء،و هذا لا يعيبه أو ينقص من
أهميته كونه لا يحتوي على آيات تفسر ظاهرتي ثقب الأوزون والارتفاع الحراري،
ولماذا لم يبحثوا مسبقا عن الاختراعات التي تتنبأ بها آيات القرآن الكريم
مسبقا، وتنبيه العلماء العرب لاختراعها وسبق الآوربيين والأمريكيين لذلك؟.
وقد نشرت صحيفة الجمهورية في عددها الصادر يوم امس مقالا للشيخ
علي القاضي موجها للمدافعين عن بشرى المقطري ولا ادري بالضبط ان كان ينصحهم
او يدعوهم او يأمرهم فيه بكف انفسهم واسِنة اقلامهم من الدفاع عنها وعما
كتبته باحد المقالات المنشورة سلفا في الوسائل الاعلامية من خواطر لاتعدوا
ان تكون اكثر من مجرد خواطر تأملية من وجهة نظري الشخصيةعلى الاقل ان لم
تقبل التعميم على بقية الناس بمن فيهم المشائخ ورجال الدين فيما تقتضيه
حكمة الايمان وليس الكفر وغايته الدينيوية في مثل تلك اللحظات الرهيبة
الموحشة التي يمر بها العبد في حياته فيكون بسببها عرضة لتأثير الموقف
وتداعياته النفسية والروحية عليه كانسان قبل ان يكون عبد من عبيد الخالق
..وتلك حالة لاتستثني احدا من المؤمنين حين يواجهون موقفا ارخى وطأة واخف
سطوة مما واجهته بشرى المقطري في( خدار) فما ظنك بحالها وهي تواجه لحظات
اقل مايمكن ان تكون بالنسبة اليها هي ومن شهدها معها( مصيرية ومرعبة) اقول
بالنسبة اليها ومن كان معها وليس بالنسبة الينا نحن اوبالنسبة لاولئك الذين
انبروا لمهاجمتها وتكفيرها وهم في دفئ بيوتهم وظلال مساكنهم ومأمن مدنهم
من اصحاب اللحى الكثة والعمامات الملتفة وكثير ممن اتبعوهم وانتهجوا نهجهم
وصدقوهم واقتفوا اثرهم ليرجموها بالغيب كما رجموا كثير غيرها من قبل ؟
انها ليست اكثر من مجرد تأملات لعبد ضعيف واضعف منه حين يكون أمراة اصابها
من الضير والاذى مااصاب اخرين من الرجال الذين كانوا معها في ليلتهم
المأساوية وهم في طريق مسيرتهم نحو هدفهم في فريضة الحياة كما تقتضيها
الحقوق وشريعة الاسلام
بمعنى ان الخوف الذي قاسمها الليل مع شدة
البرد قد جعلها في لحظة من تلك اللحظات تنكر وجود الله في خدار وحدها او في
ذلك المكان وحده وفي تلك اللحظة دون سواها ايضا وهي حالة تتلبسنا جميعا
حين يتولانا الخوف من امر من الامور او موقف من المواقف فيطغى على مافي
قلوبنا من الايمان بالله ...ومن منا من لم يستبد به الخوف عرض هذه الحياة
المفعة بالشرور والمخاوف وفجائع الدهر وصروف الزمان الى درجة الانكار
بوجود الله ...انما الفرق بيننا وبينها (اقصد بشرى) انها عبرت عن ذلك بصريح
العبارة في مقالها المنشور للملاء في حين لذنا بالصمت ولم نمتلك الجرأة
التي تشجعنا على ذلك او انها امتلكت من البيان ومواهب التعبير وادواته مالم
نمتلكه ,,,فخوفنا من خطر داهم يجعلنا في لحظة من اللحظات اكثر ايمانا
بمضرته مما نؤمن به في الغيب او ممن نضل نتضرع بدعائنا اليه فلا نرى علامات
الاجابة منه ..بمعنى اننا لانرى بجوار الخطرالداهم و مقدماته الذي يوشك
ان يحيق بنا اي شئ اخر مما نؤمن به في الغيب ..اي ان ايماننا بما نراه
يكون اكثر تاثيرا علينا مما لانراه لان ايماننا بمالا نراه انما هو ايمان
افتراضي او انه يتحول لدينا في تلك اللحظات الى ايمان افتراضي امام يقيننا
بالخطر الذي نراه عيانا فالخوف هناهو المقياس الحقيقي لمستوى الايمان لدينا
ومعروف ان الايمان يزيد وينقص في صدور المؤمنين وكلنا نخاف الى حد الكفر
حتى وان لم نصرح بذلك او نعبر عنه كما فعلت بشرى..
ويمكن ان
نستدل على هذا القول بقصة موسى النبي عندما قتل الرجل المصري كيف هرب الى
صحراء سيناء نتيجة خوفه من العقاب ولكن عندما ظهر الله له وكلمه في
الملتهبة كيف تغير موسى واصبح رجل قوي وحكيم .
كيف تحول هذا
الخوف في موسى الى قوة نتيجة الايمان بالله وادراكه ان حياته السابقة كانت
غير مرتبة بشكل صحيح والان اصبحت لها معنى ومرتبة ومنصبة في الاتجاه الصحيح
هو نحو عبادة الله ودعوة شعب الله المختار للعودة الى ارض الميعاد بقيادته
.
ويظهر لنا من خلال هذه القصة الفرق بين ايمانك بما تراه
ماثلا عيانا امام ناظريك وبين ماتؤمن به على علم الغيب او ما تؤمن به
ولاتراه ...والفرق بين موسى النبي في هذه الحالة وبين بشرى هو انه لم يتحدث
ولم يذكر بانه كفر او ان الخوف قد بلغ به حدا جعله يهرب لينجوا بجلده ممن
يريدون الثأر لمن تسبب في قتله انتصارا للرجل الضعيف ...وهو تعبير عملي عن
ضعف ايمانه بالله قبل ان يراه ...