على هامش رحلتي الى عدن




إننا نتقابل داءما بانماط مختلفة في سلوك الناس يعتمد على تصور خاطئ يزن الظواهر بغير معيارها ..واعني بذلك العقل الذي يتعامل مع الاسباب الموضوعية في الحياة على انها ظروف ذاتية ويجري وفق ذلك تقييم الغير .على ان وعي الناس يبدوا ضروريا هنا للتمييز بين ماهو ذاتي وبين ماهو موضوعي من اجل تفاهم ارقى بين البشر ،،
فمثلاُ حين اكتب موضوعا ما عن شخصية اجتماعية وسياسية ووطنية في مستوى شخصية الدكتور ياسين سعيد نعمان فانني لا افعل ذلك بحكم صلة القربى التي تربطني به أوانطلاقا من كونه على وجه التحديد ( إبن عمي) إن كان لإحد من الناس ان ينظر للأمر من هذه الزاوية الضيقة ،،
فأنا اعلم كما يعلم الجميع إن لم أكن اكثر منهم ، بأن شهادة ذوي القربى لاتقبل ولاتجوز شرعا وقانونا ولا يعتد بها في إقامة الأحكام وترجيح الحجج وتظل مطعونا في صدقها وصحتها من قبل الجميع إلا من اراد الاستزاده منها فقط على سبيل الاستئناس بها لا اكثرولا تؤخذ ابدا على قدم المساواة مع شهادة الاجنبي او الخصم غير الطرف وان تطابقت معها في المعنى والمبنى ..
ولما كان علمي السابق بهذه الحقيقة يشبه علمي في الوقت نفسه بصعوبة الخوض في معترك الكتابة عن رجل بهذا الحجم بلغتي البسيطة وادواتي المتواضعة في هذا الميدان إلا ان ذلك لم يكن باللذي يعوقني او يثبط همتي او يمنعني من الامساك بقلم الكتابة عن هذا الرجل ...ليس لأنه بحاجة لشاهد يشهد له أما بالحق وإما بالباطل او لأن احداً من اهل الضلالة لايزال بين الناس في حالة ترقب وانتظار لمن يدلي برأيه او شهادته عنه ليصدر حكمه عليه ..فلا يمكن ان يكون ذلك دافعا وجيها للكتابة عن هذا الرجل بالذات بالنسبة لمن يدرك ان الاستشهاد والاسترشاد بالتاريخ الوطني والسياسي والفكري العظيم لهذا الرجل والموثق بحضور الذاكرة  الجمعية للشعب فضلا عن مآثره الاجتماعية والادبية والمدنية والحضارية الحية على مختلف جوانب الحياة اليومية التي يعيشها الناس افراداً وجماعات، فيه مايغنيهم عن كتابة او قراءة المؤلفات والمراجع المفصلة التي تشهد له بذلك،،فأي حقيقة يجهلها الناس عن رجل هذا شأنه بينهم ،وأي شهادة تنقصه تلك التي بوسعي ان اقدمها او اضيفها لرصيده التاريخي الزاخر بالمواقف الوطنية والسياسية والاجتماعية والفكرية النبيلة التي بذلها لهذا الوطن في مسيرة حياته الطويلة النخلصة للوطن ارضا وانسانا ،في بلد لاينصف احد ولا يقبل الشهادة من احد..
غير ان مادعاني للكتابة عن هذا الرجل حديث سمعته يدور بالمصادفة وبصوت مرتفع بين شخصين -لا اعرفهما ولم يسبق ان تعرفت عليهما من قبل- من ركاب السيارة التي اقلتنا في طريق سفرنا من العاصمة صنعاء الى عدن قبل يومين عن هذا الرجل بعد ان تفرعت بهم طرق الحديث عن آخرين مثله في مشاعب كثيرة -إذ زعم احدهما ضمن كثير مما زعمه للآخر انه يعرف الدكتور ياسين سعيد نعمان عن كثب وانه على علاقة قديمة ووطيدة به تمتد الى ماقبل تحقيق الوحدة اليمنية عندما كان رئيسا لمجلس الوزرأ في الشطر الجنوبي وانه -اي الدكتور-ينحدر من اصول شمالية وانه يعرف اهله وقبيلته تماما وان الدكتور في الحقيقة  ليس مثله فيما يعرفه الناس عنه،وكثيرا مما ساقه من الكلام المفترى الذي لايليق برجل في مثل هذا الرجل ..
وبعد ان افرط في تجنيه عليه بكلام لايقبله عقل ولا منطق وعلى نحو مستفز لم اتمكن معه من مقاومة غضبي والاحتفاظ بهدؤي والالتزام بالصمت اكثر مما صمتت إزاءه فقاطعته اخيرا من خلال الرد عليه قائلا له :ماكل هذا التحامل الذي تضمره وتبديه على رجل اجمع الناس كلهم على نزاهته ووطنيته وعدله وطهارته وحصافته وحكمته ونبوغه الفكري وصفأ سريرته وحسن منطقه وسلامه ذمته وتواضعه ،فأقسم لي بانه لايضمر حقدا ولايبدي ضغينة له وانه انما اراد ان يجهر بحقيقة الرجل على الملأ ممن حان بهم الوقت ان يدركوا حقيقته على حد تعبيره عن ذلك باللهجة الدارجة ..، فقلت له والله إني لا اراك إلا من المتحاملين على الرجل ان لم تكن من الحاقدين عليه رغم انني لم اكن اتوقع ان اجد بين الناس من يمكن ان يتحامل عليه ،ثم من تكون انت حتى تتولى القيام بهذه المهمة في إظهار حقيقة هذه الرجل او غيره من اهل الارض إن كان ثمة حقيقة أخرى لايعرفها الناس عنه ..ومن تكون بينهم جميعا حتى تمنح نفسك شرعية تصنيفهم وتقييمهم وأي نبي انت قد بعثه الله لهولاء القوم بهذه الرسالة التي تحملها لهم ، وأي صفي انت  اصطفاك الله دون بقية خلقه من البشر لتبين لهم طريق الحق من الباطل وتهديهم الى سبل النور والرشاد ..يارجل ان هولاء الناس الراكبين معنا على متن هذه المركبة قد سمعوا ماسمعوه  منك عن هذا الرجل عنوة وهم كارهين فهلا احترمت مشاعرهم وحافظت على سكينتهم والتزمت الصمت ان لم تقل خيراً،،
قال: سامحك الله،فما انا بنبي من انبيأ الله ولا انا بصفي من اصفياءه وما مثلي إلا رجل ادرك ما أدرك من الحق دونهم فأراد ان يبينه لهم ...
قلت له: إنما انت إنسان ادركك الباطل ولم تدرك الحق وانك اردت ان تضع الباطل في موضع الحق وتصطاد في المأ العكر ولكنك اخترت الرجل العسير الذي لن يجاريك في الكلام عليه والاساءه اليه منافق او مسئ..فهيهات ثم هيهات ان تنال منه او ان تجد بين كثير من االناس من يسمعك تتطاول عليه فيسكت ..
قال لي: ياأخي كان هذا الكلام منذ عهود عفى عليها تقادم الزمن حين لم نكن نجرؤ على الكلام عن واحد منهم لابالحق ولا بالباطل ،اما في الوقت الراهن فعليك ان تعلم ان لم تكن قد علمت حتى الان باننا في بلد الديمقراطية التي تكفل لنا حرية الرأي والتعبير وليس بمقدور اي انسان ان يمنعنا من هذا الحق ..
قلت له:ان الديمقراطية التي تتحدث عنها والحرية التي تشير اليها في هذا البلد او في اي بلد اخر لاتبيح لك او لغيرك  الاساءة للناس والتجني عليهم كائن من كانواولاتجعلهم عرضة لاذى الدجالين والمفترين من امثالك..فانت بهذا المفهوم القاصر عن الديمقراطية وحرية التعبير لاتفرق او انك لم تعد تفرق بين لغة النقد المنطقي الهادف والبنأوبين لغة الشتيمة والتجريح ورمي الناس بالبهتان..ولاتميز بين اساليب التعبير عن الرأي وبين اساليب التعبير عن الغيبة والنميمة وسؤ الخلق ,,ثم إن هذا المكان ليس محفلا للمارسة النقد والتعبير عن الرأي وتقييم الاخرين -فراجع حساباتك يارجل وجرد نفسك من نوازع الحيف والاجحاف وغلبة التعرض بالذكر المسئ لمناقب الناس واخلاقهم والتهكم عليهم بما لايليق بهم من اللمم ولغو الكلام ..
قال: هل افهم من كلامك هذا انك مازلت مصرا على ان كل ماقلته عن ذلك الرجل -الذي توليت الدفاع عنه - كان كلام من باب الزيف والإفترأعليه ،،
قلت له: وإنه لكذلك بالفعل ،،بل وحتى ان افترضنا مجرد افتراض لا اكثر بأنك لم تقله من هذا الباب ،،فما الباب الاخر الذي يمكن ان تنسبه اليه..فلا يوجد ياعزيزي امامك باب اخر لمثل هذا القول غير هذا الباب ،،فانصحك بان تغلقه ،،
قال: إنما قلت ماقلته عن الرجل من باب الحق لاسواه وما اظنك إلا مبالغ في دفاعك الفضولي المستميت عنه او انك منافق وصاحب مصلحه منه ولا اعتقد بأي حال من الاحوال بانك تعرفه اكثر مني ان كنت تعرفه اصلا ...
فقلت له:اذا لم يكن دفاعي عن هذا الرجل في رأيك نابعا من صدقي ويقيني ببراءتة وايماني بصحة موقفه وإذا لم أكن اواجهك بالحقيقة التي اعرفها اكثر منك عنه فهل ترى والحال كذلك بانني من الممكن ان اجني اي مصلحة او منفعة تذكر من ورأ مبالغتي في الدفاع عن الرجل في هذا المكان بالذات دون سواه؟...وهل ترى ان هذا المكان الذي نحن فيه الان موضعا  او مناسبة لإظهار النفاق وجني المصالح ..فلو كنت من المنافقين واصحاب المصالح كما تعتقد فقد كان من الاجدر والاسلم بالنسبة لي في هذا المكان ان اداهنك واجاريك فيما قلته عنه او على الاقل اتستر بالصمت دون ان ابدي اعتراضي عليك وامتعاضي منك ومما قلته ..ومع إني هذه الحالة لن اكسب شئ إلا أن المؤكد ايضا بانني لن اخسر شئ في الوقت نفسه ...فكيف يمكنك ان تتهمني بالنفاق في ميدان انت أكثرمن يعرف بانه لايصح ولايفيد فيه النفاق ..
قال لي: فانت إذن تزعم بانك تعرف الرجل اكثر مني .
قلت له:ان كان لي ان افخربمكرمة من مكارم الشرف التي تستوجب الفخر فإنني لن أجدبين مكارم الشرف التي يتنافس المتنافسون للفوز بها ،مكرمة مكرمة للفخر أشرف من معرفتي به وبإمثاله من الرجال ..غير ان فخري به لايتوقف عند هذا الحد ...
قال : هل تدعي الان بانك واحدا من اقاربه ..
قلت له: رغم انك ذكرت في معرض ادعاءك بمعرفة هذا الرجل واقاربه الذين تجنيت عليهم، أسمأ لا أعرفها ولم اسمع بها من قبل ..فانني لا أستطيع أن أنكر أنني بالفعل واحد منهم ...
فإذا علمت بهذه الحقيقة ياعزيزي فانني آمل ان لا يأخذك الاعتقاد بسؤ الظن الى التفكير في ان دفاعي عنه- على نحو مارأيت -إنما كان من قبيل الواجب الاسري الذي يقع على عاتقي في هذه الحالة بناءً على ذلك الاعتبار  ,,
قال: وما المانع .؟
قلت : الموانع كثيرة ياعزيزي ولكن يكفي ان تعلم بانني لو انطلقت في دفاعي عنه من هذا المنطلق فلن اجد حجة واحدة لتبرير دفاعي عنه ولن اجد في ميزان الحسنات التي احتفظ بها حسنة واحدة قد قدمها لي من هذا الباب  يستحق عليها الشكر والثنأ..وتدعوني للوقوف في موقف العرفان منه..
فان لم تصدق او تقتنع بانني اكثر المتضررين منه كما هو الحال بالنسبة لجميع اقاربه الذين زعمت ظلما وعدوانا بانهم الوحيدون المستفيدون منه ,,فعليك ان  تعلم بانه لم يمر سوى اسبوعين فقط لا اكثر على خروجي من السجن الذي اودعني فيه الدكتور قبل عام مضى حتى الان إثر خلاف احتدم بيني وبين الزوجة وأهلها قبل خمس سنوات وادى الى تلفظي بالطلاق امامها ..ولما ابيت التراجع عن ذلك مقتفياً خطى الشيطان اللعين على طريق الغواية والهوى  وفرطت في اولادي الصغارورأى مني مارأى - لم يجد أمامه بعد أن باءت كل المحاولات التي بذلت معي على هذا السبيل بالفشل  إلا ان يلقي بي في غياهب السجن الذي لم يزرني زائر فيه خلال تلك الفترة حتى أعود الى رشدي وصوابي واشعر بمأساة اولادي الذين اصبحوا في حكم الايتام والمشردين من بعدي ...ولم يطلق سراحي ويخلي سبيلي إلا بعد ان تأكد له بانني قد تبت وعدت الى هداي .
قال لي: وفي اي مجال تعمل انت الان؟
 قلت له: لم اجد مجالا لاعمل فيه حتى الان ..وربما كان هذا هو السبب الرئيس لنشوب تلك المشكلة الزوجية بيننا ..
قال : وهل يعلم الدكتور بذلك ؟ ولماذا لايتدبر لك عملا حكوميا مثلك في ذلك مثل كل الناس الذين يعملون هناأ حتى تتمكن من اعالة اسرتك وتربية اطفالك..
قلت له ان الدكتور ينظر لمشكلة العمل على إنها مشكلة عامة ولاتقتصر عليّ وحدي وان معاناتي بسببها هي معاناة تتعلق بكثير من الناس في هذا الوطن ,,
قال :ولكنك واحدا من هولاء الناس واكثرهم سؤا وتعاني من ظروف معيشية قاسية وهو يعرف ذلك ويراه بأم عينه فيتجاهلك بحجة ان مشكلة العمل مشكلة وطنية في حين ان الناس يتوظفون كل يوم ..فلو وفر لك وظيفة - وذلك  حق من حقوقك - يكون قد عالج جزء من مشكلة العمل العامة في اطارها الوطني..
فينبغي عليه ان يقدم لك هذه الخدمة باعتبارك واحد من ابنا الشعب إن كان قادراً على ذلك، على الاقل رحمة باولادك ان لم يراعي ظروفك انت ..
ثم  قال :هل سبق إن طلبت من الدكتورالمساعدة ليقدم لك عملاً او يعينك في الحصول عليه وان كان لايحتاج الى ان تطلب منه ذلك حتى يفعله لك؟
قلت له: نعم في مرات سابقة ,,وقد بذل  معي مجهود كبيرفي كل مرة على هذا الطريق من باب انساني وليس من باب اسري ,,ولم نوفق..
قال وما أظنه كان ليوفق في هذا البلد إلا إذا بذل مجهودا معك على ذات الطريق من باب اسري..
وعندما توقفت بنا السيارة في محطة الوصول سألني وهو يهم بالهبوط منها قائلاً:
هل انت متأكد بانك الى الان دون عمل ..فأجبته بنعم .
قال : إذن فانا لا أصدق البتة انك قريب الدكتور ياسين سعيد نعمان ..
قلت له لايمكن ان يكون هذا سبب للامتعاض منه  ..بل ان ذلك مصدر فخري واعتزازي ..
قال:إذا كنت صادقا فعلا فيما تدعيه عن علاقة القرابة التي تجمعك بالدكتور  وكان لزاما على احدكم ان يفخر بالآخر ،،وأردت مني الحق وألإنصاف ,,فإن الدكتور هو من ينبغي ان يفخرويتفاخر بك ياعزيزي وليس العكس ،،

تعليقات