لااحد من الناس يعترض على
فرضية تشكيل مجلس انتقالي لقيادة الثورة في المرحلة القادمة وفقا لرؤية
وطنية شاملة تتبنى اهداف ومطالب الشعب وتستسيغ تطلعاته وخياراته وتصوراته
وتستلهم قناعاته وتفاعلاته وتحظى باجماع كافة القوى والمكونات السياسية
والاجتماعية والجماهيرية التي تمثله ...
على انني ارى كما يرى الكثيرون
غيري ان المطالب التي يرفعها بعض الشباب...... في الساحات هذه الايام بتشكيل مثل هذا
المجلس هي في الاصل مطالب لاتلبي حاجة الشعب اليها على الاقل في هذا
التوقيت بالذات ,,ولاتخدم اهداف الثورة بقدر ماتخدم مصالح قوى واطراف اخرى
تسعى من ورائها الى تعقيد الامور واثارة الفتن والانقسامات التنظيمية بين
الثوار وتحريضهم على بعضهم البعض بغرض اثنائهم عن مواصلة مسيرتهم الثورية
باتجاه اسقاط النظام وصرفهم عن انجاز اهدافهم الوطنية العظيمة المتمثلة في
التغيير واقامة الدولة المدنية الجديدة التي يتطلعون اليها ...
ولما
كانت مطالب هولاء الشباب كما تبدوا في الظاهر مشروعة فان دوافع واسباب
اصرارهم على فرضها على نحو مايجري لاتعدوا ان تكون في نظر الاخرين كافية
لتبريرها وتفسير دعوتهم اليها ..فضلا عن انه لايحق ولايجوز لهم باي حال من
الاحوال ان يقدمونها ويتفاوضون حولها مع طرف يفترض انه غير شرعي كما يزعمون
ولايعترف بهم او يقر بثورتهم البتة ,في حين انهم بذلك انما يعترفون به
ويقرون بشرعيته عمليا وينتقدون بل وينكرون احزاب المعارضة ويرفضون مواقفها
في تصرف منهم لايصب الا في مصلحة النظام وحده ..وهم يعلمون تماما بان
المجلس الانتقالي لايحتاج ابدا لموافقة هذا النظام عليه كي ينال شرعية
تشكيله وقيامه ..بل انه يحتاج الى موافقة كل القوى والفعاليات السياسية
والتنظيمة والثورية الاخرى الحاضرة في الساحة وعلى راسها احزاب المعارضة
لاعتبارات كثيرة لايكاد يجهلها مخلوق ...
ولعل النظام لن يجد بين خيارات
الرحيل التي باتت مفروضة عليه بديلا يضمن له العودة الى السلطة مجددا احسن
من خيار اختراق صفوف الثورة والثوار بشتى الوسائل والامكانيات والاساليب
التي ورثها من تجربته الفاسدة في الحكم خلال اكثر من ثلاثة عقود زمنية..
وربما
كان هذا الخيار هو مايراهن عليه لاعادة انتاج نفسه مرة اخرى من رحى الثورة
في خلق جديد بعد ان تعذر عليه ايقافها وتبين له ان كل اساليب العنف والبطش
ومحاولات القتل والتنكيل التي استخدمها ضدها قد زادتها قوة وصلابة بقدر ما
تسببت في اضعافه امامها على مدى خمسة اشهر من عمليات المواجهة الدموية
معها بما اوتي من عدة وعتاد...
لذلك فقد كان لنا ان نخشى فيما نخشاه على
مستقبل الوطن والثورة من اصرار الشباب على فرض مطالبهم بتشكيل المجلس
الانتقالي المزعوم دون سواه ان يكون النظام هو من يقف خلفه والداعي اليه
ويتقمص عباءته للتغرير بهم بما تبناه امامهم من الشعارات الوهمية والاهداف
المزيفة التي يسعى من وراءها كما سعى من سابق الى زرع الفتنة والعداوة بين
الشباب من جهة وبين احزاب المعارضة من جهة اخرى عن طريق مايثيره حول
مواقفها السياسية والوطنية من الشبهات والشكوك والافتراءات والتهم الباطلة
لتشويه صورتها وزعزعة ثقة الناس فيها وصولا لاقصائها من الساحة والغاء
دورها الميداني والسياسي المشهود في انجاح الثورة ليخلوا له المجال بعد ذلك
لقيادة الشباب والتاثير فيهم والسيطرة عليهم وكأْن هذا النظام لم يدرك بعد
بان الشعب الذي اعتاد على ان يحكمه بمنطق الحيلة والدجل والمخاتلة طوال
السنوات الماضية قد تغير ولم يعد كما اراد وحاول ان يبقيه ..فعلا لقد تغير
الشعب واستيقظ من سباته الطويل وهذا هو المكسب الحقيقي العظيم الذي يحق لنا
ان نفاخر به اليوم ونراهن عليه في دحر كل انظمة الفساد وكشفها ومحاسبتها
لاحقا ..ولقد تعلم من تجاربه مع الحكام والانظمة السابقة مايجعله قادرا على
ذلك واكثر ,,,
واذا لم تكن المبادرة الخليجية بالنسبة لهولاء الشباب
الذين يطالبون بتشكيل المجلس الانتقالي هي الحل الامثل والبديل الاقرب الذي
سيختصر المسافة امامهم لتحقيق التغيير المنشود من اقصر الطرق وباقل
التكاليف والخسائر الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية الباهضة التي قد
يستغرقها ويؤدي اليها اي خيار اخر غيرها ,,فسيتوجب عليهم حينئذ ان يسقطوا
النظام اولا وقبل المطالبة بتشكيل هذا المجلس ,ولن يتحقق لهم ذلك الا اذا
قرروا الزحف نحو القصر الرئاسي ومقرات القيادة العلياء للحرس الجمهوري
والامن المركزي ومجلس الوزراء وبقية الوزارات التابعة له للسيطرة عليها
بالكامل وبعدها سيكون بمقدورهم تشكيل مجلس انتقالي لقيادة ثورتهم بالشكل
الذي يطالبون به اليوم ...
اما ان ارادوه مجلسا كذلك الذي تشكل في ليبيا
بعد ان استولى الثوارفيها على اكثر من نصف مساحتها الجغرافية بقوة السلاح
,,,فسيتعين عليهم ايضا ان يستعدوا ويتجهزوا بالمؤونة والسلاح الكافي
لمواجهة النظام قبل انقضاضهم عليه على غرار مافعله الليبون يومهاعندما
بداوا من الخطوة الاخيرة في تعاطيهم مع القذافي وباغتوه بالهجوم ولم يمهلوه
وقتا للاستعداد لهم كما فعلنا نحن ..ومع ذلك فلم يحسموا امرهم معه حتى
الان واظنهم في نهاية المطاف سيحتاجون الى حل سياسي لحسم الصراع بينهم ,اذ
انه ليس من مصلحة اي قوة في العالم ان ينتصر فيهم طرف على اخر ,ولهذا الغرض
فقد تدخلت قوات حلف الناتو,,, ...
ويبدوا ان الزحف قد تحول مع مرور
الوقت الى مجرد مغامرة عير محسوبة النتائج وتنطوي على عواقب مجهولة ومخاطر
ماساوية مدمرة ستغرق الشعب والوطن في مستنقع الحروب الاهلية والقبلية ووحول
التمزق والانفصال لسنوات لايمكن التكهن بمداها .. ,فالنظام لن يتورع عن
ابادة الجميع اذا ماقرروا الزحف ولن يكون بوسعهم القاء اللوم على المجتمع
الاقليمي والدولي اذا تخاذل عنهم وتقاعس في حمايتهم بعدما رفضوا المبادرة
التي قدموها اليهم واحرقوا اعلامهم في الساحات وطالبوهم برفع الوصاية عنهم
وعن ثورتهم,,,فان لم نضطر حينها تحت عنف الالة العسكرية للنظام ومجازره
الدموية التي قد يرتكبها بحقنا الى طلب الحماية من هذه الدول فانها لن
تنتظرنا حتى نطلب منها ذلك لتتدخل عسكريا طالما توفرت لها الذريعة لفعل ذلك
كما حدث في ليبيا تماما
فلياخذ الشباب حذرهم من مغبة الانجرار خلف
مثل هذه الدعوات المشبوهة ..وليعلم الذين لايعلمون منهم بان الثورة انما هي
فكر وفلسفة ومنطق ومنهج حياة وليست منهج موت وانتحار ..ولاتقبل المجازفات
ومغامرات التهور ...وعليهم ان يضعوا قلوبهم في عقولهم لا ان يضعوا عقولهم
في قلوبهم كي يتجردوا من عواطف الاندفاع والتبعية العمياء التي تنفي دور
العقل وتحتكم ةللانفعالات ومشاعر التعبية المتورمة بقيح الخبثاء وسموم
السافلين ....فقد وصل الوطن اليوم الى مفترق طرق ..بين نداء الحق ودعوة
الضلالة ,,فان شاؤا الانحدار به الى الحضيض ومهاوي الخراب فاليسلكوا طريق
الضلالة وليتبعوا ائمة الظلام وليجعلوا منه بضاعة لمصالحهم الشخصية
ومنافعهم الذاتية ليتاجرون بها في اسواق الانانية والربح الزهيد على حساب
الملايين من ابناءه
تعليقات