-لم يجد الجنوبيون انفسهم مضطرين كشعب في اي وقت سابق من عمر هذه الوحدة لاعلان انفصالهم وقيام دولتهم المستقلة عن الشمال كما وجدوا انفسهم كذلك اليوم ....ولعل الفرصة لم تتهيألهم من قبل لتحقيق هذا الهدف بكل سهولة ويسر كما تهيأت امامهم الان بفعل الظروف والتداعيات والمستجدات التي خلقتها وقائع ثورة التغيير منذ ان انطلقت في المدن الشمالية قبل اكثر من سبعة اشهر لاسقاط النظام في صنعاء ولم تتمكن من اسقاطه حتى الان ولايبدوا بانها ستسقطه قريبا رغم ان ذلك لم يكن يحتاج منها في اسواء الحالات لاكثر من نصف الفترة التي استغرقتها حتى الان ...الامر الذي انعكس بالسلب على حياة الجنوبيون وتسبب في مضاعفة معاناتهم وتفاقهم ظروف معيشتهم وتدهور اوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية اكثر واكثر وعزز القناعات لديهم في شرعية مطالبهم بالانفصال حتى ثبت لهم بان خيار التغيير واسقاط النظام الذي استبشروا به في بداية الامر كان الخيار الاصعب والاعسر عليهم وعلى اخوانهم الشماليون قبلهم من الانفصال وان حلمهم في التغيير قد تبدد مع مرور الوقت واصابهم اليأس والقنوط تجاه ثورة لم تحمل حتى الان مايشير الى نجاحها وبلوغ اهدافها او يوحي بان ذلك قد يحدث مستقبلا لا بالسلم ولا بالحرب حتى وان نجحت في اسقاط النظام عن طريق الحرب مثلا فانها في نهاية المطاف لن تلد الا ذات النظام الفاسد المستبد ان لم تلد اسوأ منه ...ولو افترضنا مجازا بانها (الحرب) قد انتجت نظام سياسي ديمقراطي مدني عادل فان ذلك لن يعفي الجنوبيون من دفع فواتيرها وضريبتها وتحمل كافة الخسائر والاضرار والنتائج الوخيمة التي ستترتب عليها ..
ومن هنا يتبين لنا وللعالم باسره بان انفصال الجنوبيون عن الشماليون لم يعد مجرد احتمال وارد كما كان في السابق وهم (الجنوبيون)الذين ناضلوا من اجله خلال السنوات الماضية وقدموا في سبيسله من التضحيات الغالية والدماء الزكية مالم يقدموه وهم يحلمون ويناضلون من اجل الوحدة ,بل فقد تحول الان الى حقيقة شبةه قائمة وتكاد ان تكون واقعة لولا بعض الشروط التي اوشكت ان ان تكملها الايام القليلة القادمة ..
وبالرغم من أني لست من هواة الانفصال، أو من دعاة التمزق و معجبي التفكك، إلا أن الحروب الطاحنة التي تدور رحاها في في الجنوب والشمال منذ ان قامت ثورة الشباب وماقبل ذلك بالنسبة للجنوبيون والتصرفات العشوائية الصادرة من قادة النظام وتمسكهم المستميت بكرسي الحكم كل ذلك يحفزنا للانفصال اذ لم يعد هناك مايغرينا للبقاء على عقد مزور للوحدة ,,,
ولنتساءل: هل في كل وحدة خير؟
كأننا تمسكنا بـ"الوحدة" لحلاوة اسمها وتواتر حلم الناس بها، وكأننا نريدها وإن كانت جحيماً، ونسينا أنه ينبغي أن نسعى إلى ما فيه الخير، وإن كان في الانفصال!.
لم أقل أن الانفصال أفضل على هكذا الإطلاق؛ فلا ننسى أن وشائج التزاوج والتمازج بين الشمالي والجنوبي عبر تاريخ مشترك تجعل الوحدة، وإبقاء اليمن القطر المعروف، ، والذي عاش شعبه في كل جهاته، فترات عامرة بالإخاء، هي أمنية كل جنوبي او يمني، سواء كان في الشمال أو في الجنوب.. وندرك أن الأخوة وكل هذا التواصل التاريخي، والحاضر، أعمق أثراً من المصالح السياسية، وأحرى بأن يوجهها إلى ما فيه خير الجميع.. من هنا، فإن أماني الوحدة عريضة، وراسخة، وهي لن تزول، حتى ولو تم الانفصال، لو تم الاعتراف.. لأن ما سيحدث في المستقبل هو الوحدة، وإزالة أسباب التمزق والتشرذم، لأن هذا هو قدر الشعوب، بالرغم مما يعترضه الآن من مصالح الحكام، والقادة، وما يسمى بالساسة.
أكاد أجزم أن مواطني الجنوب يعرفون أن انفصالهم اصبح خيار اسهل بكثير من مهمة اسقاط النظام ، وكم منهم يعشق الوحدة، ويحلم بها، ولكن يتبخر هذا الحلم أمام الفوضى العارمة التي بات يعيشها الوطن كله في الوقت الراهن.. ويصبح الانفصال حينئذ اللقمة المرة التي يجب ابتلاعها، وتصبح الوحدة في ظل الفساد أمراً غير مقبول.
التسكع في شوارع الفوضى لا يمكن أن يكون الاقتراح الوحيد للجنوبيون ، الشعب الذي عرف قيمة الأمن وجرب واحتكم لدولة القانون والعدالة .. ولكن يجب أن نكافؤنا بما نستحق، أنيخلوا السبيل أمامنا للانفصال والاعتراف، وإلى حين يتمكنون من حل أزمة الثورة واستعادة السلطة من النظام لنظام مدني اخر ،فيمكن حينها ان نعيد النظرمجددا في خيار الوحدة، ونناقش مصيرنا معاً على الطاولة..
إن دواعي الانفصال قويت، بسبب فشل النظام في صنعاء ومعه الشعب هناك ايضا، في اقامة دولة الشراكة المتساوية مع الجنوب وفق اتفاقية الوحدة .. ولعل السوء قد توج بالساسة الشماليون بعد ان شنوا حربهم على الجنوب،ليس فقط لأنهم اعتادوا التهجم عليه ونهب ثرواته باسم الوحدة او لأن الجنوبيون يريدون الانفصال فحسب؛ ولكن لأن الجنوب كانت دولة مستقلة ذات سيادة قبل الوحدة أيضاً، و لأن جماهير الجنوب قد ثارت يوماً على هذا النظام إبان تجاوز الأخير حدود الإنسانية... ونحن حين نتحدث عن الوحدة، الآن، لا نتحمس لها، كما نتحمس للحرب او الانفصال، لأن الوحدة، أيضاً، ليس من قناعاتنا، وإنما أملتها علينا عاديات السياسة بالضبط كما تمليه علينا الان عاديات الثورة القائمة منذ ثمانية اشهر!.. هذه هي الحقيقة.