لا لحمل السلاح ..نعم للمبادرة الخليجية



-- ضمت الثورة الشعبية اليمنية السلمية منذ ان انطلقت في قوامها الجماهيري الكثير من الثقافات والأطياف والمشارب والأهداف الحزبية والسياسية والتنظيمية والوطنية ، ضمت الاصلاحي والقبلي والمذهبي ، ضمت من يؤمن بالحفاظ على هيبة القبيلة ومن يؤمن بالسلاح كخيار لاسقاط النظام ومن يؤمن بخيار السلام كوسيلة حضارية للتغيير والتطهير وبناء الدولة المدنية ، وأيضًا ضمت من يعمل خالصًاللوطن ، وفي سبيل نجدة الشعب وتطهير البلاد من المفاسد والطغيان، ومن يعمل لحسابه الخاص ومن أجل منافع دنيوية من مناصب ورئاسة ووزارة، وهذا الصنف تحديدًا يكاد أن يكون مقتصرًا على رجال النظام الذين انقلبوا عليه وانضموا للثورة بعد انطلاقها، وبعد أن رأوا أن الثورة بدأت في تحقيق مكاسب على الأرض، وأن عليهم أن يتحركوا سريعًا ويركبوا الموجة قبل أن يجرفهم التيار وتغرقهم الثورة،ولكي يحظون بقبول الساحات ويتقدمون الصفوف وينالون ثقة البقية فقد رفعوا سقف المطالب وبالغوا في طرح الشعارات الثورية وتشددوا في خطابهم تجاه النظام وتجاه الاحزاب على حد سواء..

فاطل علينا البعض من المحللين، أو من المحرضين المغرضين،في الساجات وفي وسائل الاعلام قائلين: إن الاحزاب هي التي كانت سبب (تاخير الثورة). وداعياً في الوقت ذاته إلى الاستمرار في الثورة الشعبية لأن الشعب قادر بنفسه على أن يصل بالثورة إلى برِّ الأمان وإلى قطف النتائج المرجوة من ثورته. وهذا يعيدنا إلى التذكير بأن شعبنا لم يصل إلى المستوى الذي يجمع بين مهمتين: مهمة المريض والطبيب معاً. وإذا كانت هذه من أمنياتنا، لكن لا تؤخذ الدنيا بالأماني. فهذا يطرح السؤال التالي: وهل على الشعب أن يعجل حسم ثورته قبل ان تكتمل شروط نجاح التغيير؟

ليس التغيير على صعيد المجتمعات، بأهدافه، ووسائله، وصفة دواء جاهزة، يتجرعه المريض حبة حبة، أو نقطة نقطة، فيشفى. بل التغيير عملية تراكمية من الخطوات المرحلية، تحمل كل خطوة عاملاً إيجابياً يتم البناء عليه. في هذه العملية تستفيد أحزاب التغيير من تجاربها، وتبني عليها وتؤسس للمراحل التي تليها. ويتحصن الشعب بجرعات معنوية عندما ينجح في انتزاع حقٍّ من حقوقه، او يفلح بثمرة من ثمرات نضاله ولعل المبادرة الخليجية احدى تلك الثمرات التي ينبغي ان يحافظ عليها ولا يفرط فيها تحت اي عذر او مبرر لان ذلك يعني انتصار النظام

كل هذه الأطياف والمشارب جمعتهم الثورة تحت شعار التغيير واسقاط النظام ،

والكثيرون منهم استمدوا الحماسة والعزيمة من الثورات العربية، بعد نجاحها في تونس ومصر، لكن معاناة هذه الثورات وغموض أفقها في مقابل وضوح مطامع بعض التيارات ورغبتها في الاستحواذ على ثمار التغيير، شكلت ذريعة عند بعض المترددين او المتضريين من الثورة والتغيير، كي يبرروا ترددهم وأحياناً دفاعهم عن الوضع القائم، وشجعتهم على المجاهرة بخشيتهم من بديل أسوأ أو من انجرار البلاد إلى الحرب
إن رفض المعالجات السياسية وإصرارالنظام على الحسم بالقوة العسكرية العارية وبلا حساب للعواقب، طبع الأسابيع الأخيرة من عمر الثورة السملمية بطابعه وخلق لغة جديدة، إن صح التعبير، بين المواطنين مفرداتها أخبار التظاهرات والتوترات وأعداد الضحايا التي سقطت. ومع تحية الصباح، يمكنك أن تستشف من العيون، تساؤلات كثيرةعن الجديد الحاصل وتكتشف من طبيعة الحزن المرتسم على الوجوه الكثيرعن المستجدات والاخبار المتواترة، الحصيلة المؤلمة التي خلفتها شدة القمع والتنكيل.
وعلى رغم تنامي حدة اصطفاف الناس ووضوح مواقفها، لا يزال المزاج الشعبي يتميز باختلاط المشاعر وتنوعها، مرة برفض تصديق هذا الإفراط في التنكيل الدموي، ومرة بحنق وغضب شديدين من أساليب القمع الظالمة، ومرة بأحاسيس حماسية لا تهدأ تصر على التظاهر السلمي لوأد العنف، ومفعمة أملاً وتفاؤلاًبالمبادرة الخليجية للخلاص وإزاحة منطق القوة والغلبة مرة وإلى الأبد، وأيضاً بتوجس وخوف من راهن غامض ومن مستقبل يبدو أن صياغته تتطلب تكلفة باهظة، وتالياً مما يحتمل أن يحل بالبلاد جراء استمرار الخيارالعسكري مع مواصلة الاعتصامات في ظل كل مايعانية الشعب من عقوبات في الخدمات الحيوية التي يحتاج اليهاوارتفاع الاسعار وتوقف الاعمال ، لاستنزاف قواه واستجرار العزلة وحصول اقتتال أهلي بغيض، ما قد يعيد البلاد إلى الوراء عشرات السنين ويكمل دورة الخراب التي بدأها الاستبداد ,,

من الواضح تماما ان الرئيس ونظامه مصممان على الاستمرار في اتباع الخيار العسكري الى النهاية، وكلمة النهاية هنا تحمل معنيين، فاما الاجهاز على الثورة الشعبية المستعرة منذ اكثر من سبعة شهور او انهيار النظام بالكامل، ومن شبه المؤكد انه ليس في وارد النظام التوقف في منتصف الطريق او في اخره بعد ان اقدم على ما اقدم عليه من قتل وتنكيل وقصف بداءا من ساحات الاعتصام في صنعاء مرورا بقرى ارحب وابين وانتهاءا بتعز التي عاد لقصفها ليلة الامس مجددا بالدبابات وخاض حربا حقيقية ضد شعبه الاعزل مسجلا سابقة تاريخية اخرى تضاف الى سابقة الحرب التي شنها على الجنوب..وهو (الرئيس) الذي مازال يلقي على مسامعنا ومسامع العالم وعوده بالتنحي وكان التنحي الذي يقصده انما هو اذن عسكري ببدء الحرب كلما تفائلنا بانتهائها..

ان البديل عن هذه المبادرة يعني اللجؤ إلى حمل السلاح اليوم في اليمن، يعني الهزيمة، يعني التراجع، يعني السقوط في الحفرة التي حفرها النظام، يعني تحطم مركب الثورة السلمية في عين عالم لم يحترمنا إلا عندما عرف أننا نراهن على قوتناالانسانية والفكرية أكثر من رهاننا على أضيق مفاهيم "الثورة،

إن ثبات الثوار على الخيار السلمي، بعد ان ذهب النظام كل مذهب في قتل الناس وتعذيبهم وحرمانهم من الخدمات ، وتفنن في أساليب تركيعهم وإذلالهم، لهو من أكبر وأعظم اشكال النضال، وإن الاستشهاد في هذه الثورة السلمية وقد صحت النية والعزم، لهي سيادة الشهداء الذين يقفون في وجه الظلم بكلمة العدل.

حمل السلاح.. هو الأمرالطبيعي في مثل هذه الحالات - ولن يلوم أحد بعد اليوم الثوار إن فعلوه -، لكن الصبر على العذاب المر هو الغير الطبيعي، إنه فعل الأبطال وكبار الأحرار وصفوة الأنبياء والقادة الإنسانيين، الذين يعرفون أن حمل السلاح يعني الاستكانة لرغبة "المستبدين والمتجبرين " في الدفع باتجاه تفجير المنطقة بمن فيها وما فيها، في زمن أصبح فيه "السلام" سلاحاً فتّاكاً، يقارع الدبابة والرشاش، وحقد الأنظمة الاعمى على الشعوب إذا رفعت الرأس تطالب بالحرية.
الثورة بدأت وما زالت.. حركة عاطفية اخترقت تقاليد حياتنا القاسية الجافة! إنها فعل إلهي في زمنٍ كفر الناس فيه بالحرية والكرامة وقدرتهم على التغيير! إنها ظاهرة غير طبيعية تمددت في طبيعة جمود الأشياء في حياتنا التي كانت كئيبة عصيبة.. وقد آن الاوان لتغيير هذا الجمود، وكسر كل هذه القوالب التي طالما كبلتنا، فارتكسنا وتحطمنا.. حتى تنفس صبح التغيير في تونس، وأذّن الفجر في مصر، وهاهي أشعة الشمس تداعب اجفان المقهورين في اليمن

تعليقات