لا مقياس لثقافة ورقي الشعوب دون حرية متعقلة ومتزنةللتعبير
ولاشئ مثل الصحافة في قول الحق، دون تلوين او تجميل، وليس من سوء كسماح لصحافة
بامتطاء ظهرها، من صغار القوم وكبارهم، والتجار والسماسرة والذين يقترفون السياسة،
بحيث تتحول الصحافة الى مطية رخيصة، تقدم خدماتها لعابري الليل
والطريق.
الموجع في صحافتنااليوم انها تعترف علنا انها تعتبر قرائهاوجمهورها
حفنة من البسطاء والاغبياء والساذجين، فتبيعهم اخبارا لا يصدقها طفل ، لانهؤلاء لا
يريدون احترام حق الناس في الحصول على المعلومة، ولا حقهم في التعبير عن الرأي بعقل
واتزان، ولا حقهم ايضا في ايقاظ الضمير العام.
فرق كبير بين الصحافة التي
تحظى بعناية الحكام او الاحزاب اوالنافذين والاثرياء، اذ يستمعتون بها طوال الليل
ويطرودنها في النهار من سريرهم، وتلك الصحافة التي نريدها منبرا للحريةدون دجل او
لف او دوران او تزييف او تزوير، عدا الاخطاء التي نأخذها على حسن نية، فيما غيرها
يبدو عقيدة لا مفر منها.
كم يكذبون ويكذبون ويكذبون، لكنهم ينسون انهم بحاجة
الى من يصدقهم، وعلى هذا ننصح الكاذبين في صحافتنا، اما بترك الكذب كليا، او الصمت،
او حتى الشطارة في الكذب، لانه بدون ذلك تصبح الصحافة ارخص من رماد المدافئ
الاسود.
لا اعرف لماذا يضطر الاعلام احيانا الى ان يكذب، اذ ان بامكانه ان
يكذب، لكن عليه ان يجد جمهورا ساذجا قادرا على التصديق، والصحافة والتحبيرفيها،
تكذب ايضا، وفي الكذب هذا اقتراب من افعال مسيلمة، وتبشير بقدوم الدجال
السياسي.
الصحافة والاعلام في اليمن، يكذبان طوال اليوم، لان الصحافة كانت
قديما تستفرد بجمهور ساذج، لا يتلقى اي معلومات او مؤثرات اخرى، عبرالستالايت، او
الانترنت او الكتب، وبما ان الدنيا اختلفت، فانك لا تعرف لماذا يتواصل الكذب بذات
الاسلوب القديم، على الرغم من ان الجمهور اختلف، وبات اكثر ذكاء؟!.
كان يقال
ان الكذب ملح الرجال، وفي صحافتنا واعلامنا المحلي والعربي ايضا، فان الكذب فضيحة
الرجال، وانصاف الرجال، لاننا لا نجيد حتى الكذب، ولاتقديم المعلومة بوسيلة تنطلي
على القارئ، بل يتم الكذب والتبرير واللف والدوران، بطريقة تؤشر على غباء من يكذب،
وافتقاده حتى لذكاء الكاذب الفطري
لم يعد الكذب ملح الرجال، ولا سكر
صحافتهم، والصحافة الكذابة، والاعلام الكذاب، اسوأ من مسيلمة، واكثر قباحة من صورة
الدجال المنتظر، لان هذه المهنة تقترب من حدود النبوة
والرسالة والقداسة، فاذا
لم تؤد مهمتك كما يجب، واذا لم تقف مع الناس وقضاياهم، فعليك ان تصمت، لان الصمت
لغة بحد ذاتها احيانا.
ممارسة الصحافة للكذب في اليمن تحديدا، مظهر من مظاهر
الكذب الرسمي، وكذب الانظمة على الناس، ايضا، وهي المرآة الصادقة الوحيدة التي تعكس
حالة ممولها ومعلمها ودليلها الروحي والسياسي، لكنها صحافة ساقطة لا تسمن ولا تغني،
ولا ترد عدوا، ولا تحمي انسانا، ولا ترفع مظلمة عن احد.
البعض منا قد يقع في
اخطاء سياسية ومهنية، بحسن نية او سوء نية، وقد يقع في تزوير حقيقة، وقد يمارس
احيانا فهما مغلوطا تجاه الاشياء فيبدو مزورا حاذقا او فاشلا، غير ان على كل انسان
ان يتوقف في لحظة مهمة عن هكذا افعال تقترب من الكبائر، حتى لو رآها صاحبها من
اللمم المغفورة والمرفوعة في اوزارها.
وفي هكذا واقع لحال الصحافة في اليمن
فان الاستثناء منه لايكاد ان يطول سوى صحف حزبية واهلية قليلة جدا الى جانب صحيفة
الثوري لسان حال الحزب الاشتراكي اليمني التي احتفظت بنهجها الاعلامي والتنظيمي
والموضوعي السليم في التعاطي مع الكلمة وونقل الخبر وتحليل والقضايا الوطنية
والسياسية دون الخروج عن القواعد الادبية والمهنية رغم الكلفة الباهضة التي ظلت
تدفعها على هذا الطريق ورغم كل ماتعرضت له من الانتهاكات والمضايقات والاستفزازات
من قبل الاطراف المتضررة بفعل ذلك وهي ذات الاطراف التي سخرت امكانيات الدولة
واستغلت ثروات الشعب ومقدراته لاسكات كل صوت ناطق بالحق و ايقاف كل قلب نابض بالصدق
واطفاء كل نبراس يشع بالاخلاص وسعت سعيها لهدم منابر المعرفة ومنارات النشر ولم
تترك اسلوبا للترهيب او اخر للترغيب الا ومارسته مع مختلف القوى والتكتلات
التنظيمية والسياسية والوجوه الوطنية المعارضة سواء كانت مستقلة او غير مستقلة
فوجدت بينهم من نجحت في استمالته اليها فان لم يكن بالمال فبالمنصب والوظيفة وبكل
المغريات التي عرضتها عليهم اما البقية ممن صمدوا على مواقفهم وتشبثوا بمبادئهم
الوطنية تجاهها فكان لهم شأن اخر معها فمنهم من لم يقوى على احتمال ماناله من اذاها
فاستسلم او صمت ومنهم من ازداد اصرارا وايمانا بتلك المبادئ فاستمر فيها مقدما
الموت على الحياة في وضع كاللذي اعدوه له ولانفسهم من قبله على حساب حياة الشعب
وخيره ..
وكانت صحيفة الايام تلك الصحيفة التي ربطتها الكلمة الاعلامية
الصادقة بعلاقة وثيقة الصلة بقاعدة شعبيةواسعة من ابنا الجنوب حين تولت المهمة
بمسؤلية مهنية اكثر منها وطنية في الدفاع عن قضيتهم العادلة ونشر حقائقها ووقائعها
اليومية اولا باول ولم تألوا جهدا في متابعتها وتغطية احداثها اليومية في كل جزء من
الجنوب دون ان تشذ عن المنهج الموضوعي الذي اختطته في تعاملها معهاكما ظلت تتعامل
مع جميع القضايا والتفاعلات على الساحة الوطنية حتى كشفت سؤة النظام واماطت اللثام
عن وجهه القبيح فظهر عاريا على حقيقته امام العالم بغير رتوش او تحسينات ...فكانت
(الصحيفة) كما اشرنا واحدة من ضحاياه مثلها في ذلك مثل صحف عديدة انتهت لنفس المصير
او بنفسر المصير ...
وحين اقول بانها كانت احدى ضحاياه فلانني لم اتمكن من القول
بانها كانت اول ضحاياه او اخر ضحاياه فقد سبقتها على هذا الطريق صحف ولحقتها صحف
اخرى ناهيك عما تعرض ولازال يتعرض له الصحفيون وكثير من الناشطين الاعلاميين من
القتل والبطش والملاحقة والتعذيب والاعتقال والاختطاف على يد هذا النظام وسلطاته
الغاشمة .؟.
ورغم الفراغ الكبير الذي خلفه غياب صحيفة الايام عن الساحة
الاعلامية والثقافية وفي قلوب الجماهير وفي المكتبات والاكشاك العامة والباعة
المتجولون الا ان صحيفة اخبار اليوم قد استطاعت خلال هذه الفترة ان تغطي ذلك الفراغ
وتشغله وتنوب عنها في القيام بالمهمة على ذات الطريق وفي نفس الاتجاه وان بصورة اعم
واشمل وتمكنت في فترة وجيزة من كسب ثقة شريحة كبيرة من القراء وجذب اهتمامهم بصورة
ملفتهة