لئن اتخذ ابنا محافظة تعز وثائروها دون غيرهم من ابنا وثوار بقية محافظات الجمهورية من زحفهم المشهود الى صنعاء مشيا على الاقدام وسيلة بليغة للتعبير عن موقفهم الرافض للمبادرة الخليجية التي وفرت لهم الظلال الامني الوارف لقيامهم بذلك على نحو ماجرى وجعلتهم يتحركون ويتحملون مشقة الزحف ويقطعون كل هذه المسافة بحرية كاملة دون ان يمسهم السؤ او يتعرضوا للاذى حتى وصلوا الى مداخل العاصمة بعد ان ظلوا خلال الفترة التي سبقت مراسيم التوقيع على هذه المبادرة في العاصمة السعودية بين الفرقاء محاصرين بسلاح النظام وقواته الامنية والعسكرية وبلاطجته ومشائخه والمستفيدين من بقاءه من مختلف الجهات التي تحيط بساحة اعتصامهم باحد شوارع مدينتهم الضيقة ولايستطيعون الحركة فيها الا في حدود مايسمحون لهم بذلك ....فلئن اتخذ ابنا تعز الحالمة كما اسلفنا بالاشارة من هذا الزحف وسيلة مثلى للتعبير عن موقفهم تجاه المبادرة الخليجية فانهم بذلك لم يضربوا من امثلة الشجاعة وملاحم البطولة على طريق الحرية والتغيير مايستجقون عليه الاوسمة والنياشين الثورية ممايليق بمجتمع يفترض انه من اكثر مثقفي البلد وجهابذة الفكر فيه ونوابغه ولايعدوا ان يكون سوى مجرد العوبة لمن اراد ان يلعب بارادته وخياراته الوطنية عند الحاجة وبمقتضى ماتدعوا اليه مصلحته الانانية على حساب امن واستقرار الشعب ووحدته الوطنية ..
ولا اقول هذا نظرا لان قرار زحفهم الى صنعاء قد تاخر كثيرا عن اوانه او لانه اتخذ بعد ان انتفت حاجة الثورة والثوار اليه بحيث اصبح عديم الفائدة والجدوى ويحمل على الشك والريبة فيمن يقفون خلفه ومصالحهم من وراءه اكثر ممايحمل النفس على الثقة والارتياح فيمن نفذوه ولكني انما اقول ذلك لان التلميح وحده الى المناخ الذي خلقته او هيئته امامهم هذه المبادرة منذ لحظة التوقيع عليها لاتخاذ مثل هذا القرار وتحقيقه على ارض الواقع فيه مايغني او يعوض الجاهل البليد عن الشرح والتصريح والتوضيح بالاهمية القصوى التي مثلتها ومازالت تمثلها هذه المبادرة لتحقيق اهداف الثورة بكل شروط التغيير دون الحاجة للزحف من تعز الى صنعاء للمطالبة باسقاطها بعد ان اسقطت النظام الذي لم يكن ليسمح لهم على الاطلاق بالحركة داخل مخيمات اعتصامهم السلمي خلال الشهور العشرة الماضية ..
فاذا كان ابنا تعز وثوارها يؤمنون مع من امنوا من ابنا المحافظات الاخرى بان هذه المبادرة قد اسقطت النظام فعلا فكيف لهم بان يقطعوا كل هذه المسافة مشيا على الاقدام او حتى في الناقلات الفارهة والحافلات الوثيرة للمطالبة باسقاطها وان لم يكونوا يؤمنوا بذلك ولم يقتنعوا به كحقيقة قائمة فلماذا زحفوا للمطالبة بمحاكمة الرئيس وافراد عائلته قبل ان يسقطوا وكيف لم يقطعوا كل هذه المسافة للمطالبة باسقاطهم من عرش الحكم بل كيف قطعوا كل هذه المسافة مشيا على الاقدام وليس في المركبات الفاخرة للمطالبة باسقاط المبادرة وهم الذين تعذر عليهم وخلال عشرة اشهر بتمامها وكمالها ان يقطعوا المسافة التي تفصل ساحة اعتصامهم عن مبنى المحافظة في تعز للمطالبة باسقاط النظام ككل او على الاقل للمطالبة باسقاط المحافظ او مدير الامن فيها وقرروا الزحف الى صنعاء قبل ان يفرغوا من اسقاط اصغر موظف في تعز ممن يعملون لصالح النظام ...
لقد كان بمقدور ابنا محافظة تعز ان يضربوا اروع امثلة البطولة بهذه المسيرة لو لم يرفعوا فيها مطالب الموت بدلا عن مطالب الحياة التي انتحلوا اسمها فقط ليجعلوه مجرد اسم او شعار لااكثر لمسيرة فقدت دوافع واسباب ومبررات القيام بها ’’وتجاوزت وقت ومطالب الدعوى اليها ولم يعد لها تفسير مقنع او معقول غير ذلك الذي تركته عند عامة الناس قبل خاصتهم من الوهلة الاولى ولعلهم بذلك قد نفذوا مايفترض ان يقوم به النظام وهو يمر بهذه الظروف العصيبة ووفروا عليه الكلفة الباهظة والجهد الكبير اللذان كان سيحتاج اليهما لتنفيذ هذا المخطط للانقلاب على المبادرة الخليجية ..
لقد إستطاعت الخطب الإستفزازية التي أثارت الزوبعة وفي خضم الصراع الخفي على السلطة، أن تلقي بظلال الريبة والشك بقدرات حكومة الوفاق على حماية كافة مواطنيها لتهز الثقة التي منحت، ولإظهارعجزها وتقصيرها في بسط الأمن والسلام امام المسيرات ، وإن إنبوب الإختبار الذي أستخدمته هو مقدمة لعملية أكبر ومخطط أوسع إن لم تُلبي طلباتها ويُعترف بها كقوة موجودة على الأرض، أو ربما دقت صافرة الإنذار قبل وقوع الكارثة لتعلن انها قادمة ويمكنها تحريك الشارع متى ما شاءت وأن الساحة السياسية ليست ملكا دائميا لأحد، كما أثبتت فعلا قدرتها على مفاجئة خصومها وإختراق كافة الإجراءات المتخذة وإحداث خلل أمني في الحياة الطبيعية المستقرة
وحين يشتد الصراع على السلطة، وتتسارع مفاعيل الأزمة وتتشابك خيوطها، وتتصاعد وتيرة خطاب المتنفذين المتشدد بابتذال سقيم، حيث يحمل اخطر الاتهامات في ما بينهم، ابتداء بالقاء المسؤلية على طرف دون اخر ممرورا بمحاولات العودة للحكم عن طريق هذه الاساليب والاستحواذ والدكتاتورية ووصولا الى الفوضى والقتل والتصفيات والتخطيط للانقلاب. حينذاك يصبح القلق هاجسا كبيرا عما تخبئه لنا الأيام القادمة، لاسيما ان المتنفذين من سدنة النظام الذين وجدوا انفسهم خارج الحلبة بدلا من الاستجابة الى دعوات الوفاق الوطني،والا ستعداد لخوض الاستحقاقات الوطنية القادمة يستمرون في التصعيد الإعلامي والثوري ويتبادلون تهم القتل وعلى المكشوف
؟
مع هذه الاحداث والتناقضات السياسية والثورية والاجتماعية والوطنية فان ممالاشك فيه بان وضع اليمن اليوم اصبح كوضع اي سفينة توشك ان على الغرق بعد ان اصابها ثقب او خرق جعل الماء يتسرب اليها شيئا فشيئا وحينما يبداء الما بالتسرب اليها فلابد ان ينقسم الركاب فيها الى عدة شرائح ....
فالشريحة الاولى هي التي ستحاول الظهور امام الاخرين وكأن الامر لايعنيها رغم انها تعي تماما باها غارقة لامحالة ان غرقت السقينة بل ولربما كانت اول الغاقرين فيها ومبرر هذه الشريحة ان في السفينة ربان وعمال يتقاضون اجورا وينفردون بخيراتها وحدهم او يتقاسمونها بينهم البين وان على هولاء ان يسدوا الثقب الذي يتسرب منه الما وحدهم ودون انتظار المساعدة ممن لايتقاضى راتبا ولا يستفيد من خيراتها ولنطلق على هذه الشريحة بعامة الركاب ..
اما الشريحة الثانية فهي تنقسم الى مجموعتين تتشابهان في المضمون وتختلفان في الظاهر وامر هذه الشريحة مثير للعجب وهي تشبه الى حد ما احدى قصص الحقد الرمزية التي سمعتها او قراتها من عدة مصادر فيما مصى من العمر عن رجلين كانا يركبان في سفيتة من السفن احدهما في مقدمتها والثاني في مؤخرتها وقد سعى الاول سعيه الحثيث للايقاع بالثاني او الانتقام منه باي شكل من الاشكال وعندما ثقبت سفينتهما طلب الرجل الاول من الرجل الثاني مساعدته والتعاون معه في سد هذا الثقب اذ لم يكن بوسعه ان يسده بمفرده ودون تعاون الثاني معه الذي رفض ذلك وقد كان الثقب في مقدمة السفينة مايعني ان مقدمتها هي التي ستغرق قبل مؤخرتها كما يعني ايضا بان الراكب الذي رفض تقديم المساعدة لن يغرق الا بعد ان يكون راكب المقدمة قد غرق قبله واستمتع
برؤيته وهو يغرق ومن شدة الحقد بين الرجلين فان الرجل الثاني قد فضل الغرق بدلا من النجاة طالما انه لن يموت الا بعد ان يموت الاول
ان المجموعتين المكونتين لشريحة الثانية، حالهما كحال الراكبين، بينهما حقد فظيع، ويتطور بشكل فظيع، ويهدد السفينة بشكل فظيع.
إحدى المجموعتين هي التي تقود السفينة، أما الثانية فتسعى لأن تحل محل المجموعة الأولى، وهي على استعداد لاستخدام كل الوسائل للوصول إلى برج القيادة. وأمر المجموعتين كأمر الراكبين عجيب، غريب. فالمجموعة التي تقود السفينة، شغلها حقدها وبغضها للمجموعة الثانية، عن قيادة السفينة بشكل سليم. وهذه المجموعة وفي إطار سعيها للقضاء على المجموعة الثانية، فإنها تحدث ثقوبا كثيرة في السفينة، ستؤدي إلى غرق السفينة بكاملها، إذا ما ظل البغض والحقد هو الذي يحكم علاقتها بالمجموعة الثانية.
والمجموعة الثانية تعمل بدورها لإحداث ثقوب جديدة، أو بتوسيع أي ثقب يظهر في السفينة، لسبب أو لآخر، وذلك لكي تعجل بغرقها . وهذه المجموعة كالراكب الثاني فهي ترحب بغرق السفينة في أي وقت، ما دام أول ما سيغرق في السفينة مقدمتها، حيث تتواجد المجموعة الأولى. مشكلة المجموعة الأولى والمجموعة الثانية بأنهما لا تستطيعان أن تفرقا بين المخاطر التي قد تضر المجموعة الخصم، وبين المخاطر التي يمكن أن تضر السفينة بكاملها. ولقد أصبحت هذه الفئة، بمجموعتيها الأولى والثانية هي أكبر خطر يهدد السفينة. فالمجموعتان، ونتيجة للحقد الفظيع الذي يحكم العلاقة بينهما، لم يعد لهما من عمل، إلا إحداث ثقوب في السفينة، أو توسيع ثقوب أخرى. وكلا المجموعتين تعتقدان بأنها ستضر المجموعة الخصم، بإحداث ثقوب جديدة، أو بتوسيع ثقوب قديمة، متجاهلة بأن فعلها ذلك، إنما يضر السفينة بكاملها، ويعمل على إغراقها، بمن فيها وبما فيها.
دعونا نسمي المجموعتين المكونتين للفئة الثانية بالسلطة والمعارضة.
الشريحةالثالثة: وهذه كثيرا ما تشغل ركاب السفينة عن سد أي ثقب يظهر في سفينتهم، بنقاشاتها، وصراخها، ومعاركها التي قد تعجل بغرق السفينة، بدلا من حمايتها من الغرق. وفي هذه الفئة من يقول بأن أي لعنة تصيب السفينة إنما هي بسبب المجموعة الأولى في الفئة الثانية. وفيهم من يقول بأنه ما حل بلاء في السفينة إلا وكانت وراءه المجموعة الثانية من الفئة الثانية. وفيهم من يحاول التلاعب بمشاعر ركاب الفئة الأولى، فيقوم بتجييش بعض عامة الركاب على بعضهم الآخر.
ومن النادر أن يركز أهل هذه الشريحة، على الثقب نفسه، وإن حدث ذلك، فإنما يكتفون بتوزيع الأدوار على بقية الركاب، دون أن يقوموا هم بأي عمل ميداني لسد الثقب. فترى أحدهم يقول بأنه على السلطة أن تفعل كذا لسد الثقب، وعلى المعارضة أن تفعل كذا، وعلى عامة الركاب أن يفعلوا كذا. أما هو فلا يطلب من نفسه أن تفعل شيئا، لأنه يعتقد بأنه لم يخلق للأفعال، وإنما خلق للقول، وللقول فقط. دعونا نسمي هذه الفئة بنخب السفينة او مثقفوها.
الشريحة الرابعة: وهي لا تتكون إلا عندما تصبح في مرحلة يأس شبه كامل من الفئات الثلاث. وهي لا تتشكل إلا بعد أن يكون الثقب قد أصبح كبيرا، والسفينة قد أو شكت على الغرق، كما هو حال سفينتنا.
وهذه الفئة يبدأ عددها قليلا، ويتشكل في العادة من مجموعة أفراد منحدرين من الفئات الثلاث. وأول ما تقوم به هذه الفئة عندما يصبح الثقب كبيرا، كما هو حال ثقب سفينتنا، هو أن تتجه فورا إلى مكان الثقب لسده، بكل ما هو متاح لها، حتى وإن اضطرت لسده بأجسادها وبأرواحها وذلك لكي لا تغرق السفينة. وهذه الفئة تظل دائما جاهزة لسد أي ثقب، وذلك في انتظار أن يعود ركاب السفينة إلى رشدهم، ويتعاونون بشكل حقيقي على حماية سفينتهم من الغرق. وهم سيعودون حتما إلى رشدهم، طال الوقت أم قصر.
وهذه الفئة عندما تتقدم إلى الثقب بأعدادها القليلة، وبوسائلها المحدودة، إنما تريد بذلك أن تؤكد على ثلاثة أمور أساسية:
أولهما : أن التوجه بشكل مباشر إلى مكان الثقب في السفينة، ومحاولة سده، هو العمل الذي يجب أن يُفعل الآن، وقبل أي عمل آخر، وهذا من باب ترتيب الأولويات.
ثانيهما: أن مجرد ذهاب فئة قليلة بوسائل محدودة إلى ثقب كبير، هو أفضل ما يمكن فعله الآن لإشعار الفئات الأخرى، وخاصة منها من يمتلك الوسائل لذلك بأن عليه أن يفعل شيئا ما لسد الثقب المخيف.
ثالثهما: أنه لم يعد من الممكن، أن يظل الكل ينتقد الكل، وأن يظل الكل يحمل المسؤولية للكل، دون أن يفعل أي واحد من الكل، أي شيء من أجل سد الثقب الذي اتسع كثيرا، ولدرجة مخيفة. إن هذه الفئة تريد أن تخرج من عباءة الكل، ومن عقلية الكل. إنها تريد أن تواجه الثقب بعقلية جديدة، وبوسائل إبداعية تختلف عن الوسائل المعهودة. فلا يمكننا أن نواجه الأزمات بنفس الوسائل التي أنتجت تلك الأزمات. ولا يمكننا أن نواجه المخاطر التي تهدد الوحدة الوطنية بنفس الوسائل والعقليات التي أحدثت شرخا كبيرا في وحدتنا الوطنية.
دعونا نسمي هذه الفئة، بفئة الوحدة: وحدة السفينة أو الوحدة الوطنية.
ولكن ما ذا يمكن أن تفعل الآن فئة الوحدة الوطنية ؟