هل تعرف الانتهازيون عزيزي القارئ ؟من هم ؟ وكيف نكتشفهم؟ وأين نجدهم؟ وما هي أساليبهم؟ وما مقومات شخصية كل فرد منهم ؟ وما هو الأسلوب الأمثل للتعامل معهم؟ وهل من السهولة أن يصبح المرء انتهازيا دون أن يشعر؟
عندما يكون تحقيق المصلحة الذاتية على حساب مصالح عليا أو أهداف سامية، أو يكون ثمنه تقديم قرابين بريئة أو على حساب كدح الآخرين أو الإضرار بهم فهذا هو الانتكاس والارتكاس في حمأة الانتهازية الدنيئة، .
كلمة ( الانتهازي) أخذت دلالة الان- على ذلك الانسان( الأناني) (الذي يتلون تلون الحرباء) ليس عابئاً ولا مكترثاً لمبادئ انسانية الانسان التي تحول دون التهافت والابتذال، وإرخاص كبريائه، وسكب ماء وجهه في سبيل كسب بغيته، ونيل فرصته... وذلك ما يدخله في الفلسفة المكافيللية التي تنص على أن ( الغاية تبرر الوسيلة)... فتلفاه يرمي بحباله وحبائله في أي مرتع يفترضه مجالاً خصباً لنيل مبتغاه حتى على حساب الاخرين، أصحاب الكفاءه والحق الأجدى والأجدر...
الانتهازي ذئب يتربص بأخيه الإنسان ليفتك به، فهو يسعى دائما للحصول على القوة ليقهر بها الآخرين، وهنا ينشأ الصراع لفرض السيطرة وإشباع الرغبات، وإذا افتقر إلى القوة الكافية لجأ إلى الحيلة والمكر والدهاء والخديعة لكي يقهر غيره، مما يجعلها تتناغم مع الضلالات التي تنظر للعلاقات بين الأفراد والشعوب والأمم بأنها قائمة على الصراع المستند على منطق: "البقاء للأقوى"
وهي كذلك تطبيق عملي لنظرية (الغاية تبرر الوسيلة) التي تبناها ميكافيلي، وخصص لها كتابه المعنون: "الأمير" شرحا وتأصيلا، وقد أصبحت داء عضالا يفتك بالأمم والشعوب، ووباء اجتماعيا وخيما تنهار بسببه الحضارات والمجتمعات عندما يدب في أوصالها وينتشر في جسدها على حين غفلة منها كالسرطان، ويسري بين جميع شرائحها ومختلف فئاتها سريان النار في الهشيم، وتتحول هذه المجتمعات تحت تأثيره إلى مجموعات وعصابات من الانتهازيين النفعيين الذين يضحون بكل شيء من أجل تحقيق مآربهم الخاصة ومنافعهم العاجلة، ثم لا تسل بعد ذلك عن اضطراب المفاهيم، واختلال الموازين كإفراز طبيعي لهذه الممارسات؛ فالكذب دهاء، والتعفف بلاهة، والصدق سذاجة، والنصح حسد أو سوء أدب، والانضباط تعقيد، والباطل حقن والشرف تهمة، وهلم جرا، في سلسلة من المفاهيم المقلوبة والمعايير المضطربة.وهنا يتضح الفرق الدقيق بين المفهوم البشري والمفهوم الشيطاني، وذلك لئلا يفهم من حديثنا عن الانتهازية الوباء والتحذير منها أن المراد تضييع الفرص التي قد تسنح للمرء أو أنه دعوة للمثالية والتخلي عن طبيعة النفس البشرية التي تسعى لمصالحها وتحقيق الخير لذاتها فانتهاز الفرص ليس مذموما لذاته طالما أنه لا يفضي للاضرار بمصالح الاخرين افرادا كانوا ام جماعات الانتهازيون صورة حديثة للمنافقين الجبناء الذين لا يواجهون إلا من وراء جدر، وهم يحسبون كل صيحة عليهم، ولا يجيدون إلا الطعن من الخلف، يحيكون المؤامرات والدسائس وينصبون الفخاخ ويجيدون نسج الأحابيل التي هي أوهى من بيت العنكبوت عند من يعرف حالهم ولا تنطلي عليهم حيلهم، ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور.
هم أناس فشلوا في حياتهم فابتغوا نجاح الآخرين سلما لهم؛ لأنهم قد قصرت بهم هممهم وإمكاناتهم عن نيل المعالي، وقعدت بهم أطماعهم الدنيئة، وتقزمت طموحاتهم، واقتصرت نظرتهم لما دون أنوفهم، ليس لديهم الكثير ليقدموه، لكنهم قادرون وبجدارة على إعاقة الآخرين وإيقاعهم في المآزق والمشكلات المستعصية، معيار تفكيرهم ما ينالونه من كسب، أي كسب، جعلوا عقولهم بل دينهم عياذا بالله ما يلج جيوبهم وما يشبع غرائزهم ونزواتهم البهيمية، لا يقيمون وزنا لمثل أو قيم ولا يسعون لتحقيق منفعة عامة أو رفعة للمجتمع.
عندما تلتقي مصالحهم معك فستراهم أصحابا مخلصين ومتعاونين، ولكن سينقلب كل شيء عندما تفترق حاجاتك مع حاجاتهم وسيتحولون إلى وحوش كاسرة في غابة مدلهمة.
هم أخطر فئة على البشرية، وخفاؤهم يزيد من خطرهم، يلبسون جلود الضأن من اللين، وقلوبهم قلوب الذئاب، يبدي لك أحدهم الموافقة لكل ما تريد، ويفيض عليك ما يسرك من القول، ويمدك بالتأييد والتشجيع لكل ما تود أن تنجزه، ثم يتخلى عنك وانت أحوج ما تكون إلى نصرته، ويحفر لك الحفر، ويحيك المؤامرات وينصب الأحابيل ضدك في الخفاء.
ومن المؤسف أنه ليس ثمة أحد – في الغالب – إلا وقد اكتوى بنارهم أو مسه خطرهم أو أزكمه ريحهم، فهم في المجتمع مثل السرطان الذي ينتشر سريعا دون مقاومة إلى أن يستفحل وتتزايد ضحاياه. لا سيما وأن هذا الوباء قد استشرى في كثير من تفاصيل حياتنا لدرجة التطبيع فلم يعد مثارا للسخط أو الاستهجان بله التقزز والاشمئزاز،
تعليقات