مما لالبس ولامدعاة للشك فيه القول ان امريكا
وشركائها الغربيون الذين تقودهم قد تمكنت منذ امد بعيد من احكام قبضة
السيطرة التامة على الحكام والانظمة العربية واستطاعت بواسطة مخططاتها
الاستراتيجية ومعها السياسيات التكتيكية ايضاالتي اتبعتها طويلا ومازالت
تتبعها حتى الان على طريق الهيمنة الكاملة على دول وشعوب العالم الثالث
التي ننتمي اليها ((كعرب))وبكل الوسائل والاساليب والامكانيات الهائلة التي
سخرتها لذلك وعبر كل الابواب والمنافذ
والثغرات التي لم تتوانى يوما عن استغلالها للوصول لهذا المبتغى فاستطاعت
كما قلنا ان تخترق الاسوار السياسية والعسكرية والوطنية والشعبية الهشة
التي تحيط بها وتتغلغل فيها بعد ان نجحت وبالادوات ذاتها ايضا في السيطرة
على جميع القائمين عليها من الحكام الذين اشرنا اليهم وضمتهم ان لم نجزم
بانها قد اجبرتهم.للالتحاق بطابور التبعية الذي يدين لها بالطاعة
والولاءالمطلق..فاما الذين رفضوا او ترددوا في التسليم والانصياع اليها
منهم تآمرت عليهم فاطاحت ببعضهم وقتلت بعضهم الاخر...واستبدلتهم واتت
بغيرهم من العملاءوالمتآمرين معها اممن اعدتهم لهذا الغرض ..
ومعلوم
لكل خلق الله في سائر بقاع ارضه ان الدول الاستعمارية الكبيرة وتلك التي
تسعى لفرض سيادتها على الشعوب وتتطفل على مصالحهم ومقدراتهم الوطنية كما هو
الحال بالنسبةلامريكا اليوم _ مثلما كان الامر بالنسبة للدول الاوربية
التي استعمرت عالمنا عسكريا بالامس وعملت على تجزئته عند رحيلها _ان تختار
اسوأ من تجد فيها وارذلهم اخلاقا وارداهم اصولا واجهلهم فهما وادراكا
واقلهم حظا من العلم والتعليم واكثرهم ميولا واستعدادا وقابلية لللارتهان
والدسيسة لتنصبهم حكاما عليها ورؤساء لها ثم تعمل على حمايتهم مالزم الامر
لبقائهم على كراسي الحكم لاطول فترة ممكنة كي يتسنى لها بعد ذلك ومن خلاله
وفقا لتلك الشروط تنفيذ سياساتها الاستعمارية ضد هذه الشعوب عبرهم ضمن
استراتيجية تستهدف على المدى البعيد اذلالها وتجهيلها ومحاربتها وتعطيل
دورها والحاق الاذى والظلم بها(اعني هذه الشعوب) كي تبقى على ضعفها وتمزقها
وتيهها على مختلف الاصعدة والميادين مع حرصها في الوقت نفسه على الاساءة
المتعمدة لهولاء الحكام وانظمتهم وتشويه صورهم في عيون شعوبها واثارة
نقمتها واحقادها عليها بالتوازي مع حرصها في العمل على استغلال هذه العلاقة
المتوترة بينهم لتحسين وجهها وتنميق صورتها القبيحة لدى هذه الشعوب
والتقرب بتقمصها لدور المنقذ والمخلص لها من طغيان وجبروت وعدوانية اولئك
الحكام وانظمتهم حتى اذا اشارت الساعة للميقات الذي ضبطته وحددته مسبقا
للاطاحة بهم والتخلص منهم دفعت بتلك الجماهير المتضررة من سياساتهم اللعينة
الى ميادين الثورة لاسقاطهم ..وهي لاتعمل ذلك من باب الحرص على مصلحة هذه
الجماهير ولا من قبيل الشفقة عليهم او تقديم المساعدة اليهم اوتحريرهم من
مخالب الظلم والفساد كما يظنون ..فهي التي خططت وبرمجت وهيئت الاسباب
والظروف من حيث يعلمون او لايعلمون للوصول بهم الى هذه اللحظة التاريخية
التي يثورون فيها على حكامهم الظلمة للمطالبة برحيلهم تحقيقا لاهدافها في
السيطرة الكاملة على هذه الشعوب الى جانب سيطرتها على الانظمة ومن قبلهم
الحكام..
قد يسأل سائل منكم عن الاسباب التي قد تجعل امريكا تميل الى الاطاحة بهولاء الحكام عن طريق استفزاز الجماهير للقيام بذلك طالما كانت قادرة على تغييرهم عندما تشاء وكما تشاء وكيفما تشاء ودون الحاجة لحشر هذه الجماهير في ثورات لاتخدم مصالحها ؟؟
وسؤال كهذا لايمكن ان يطرحة قارئ يعلم بان الجزء الاكبر من مصلحة امريكا كما قلنا انما يتمثل في سعيها للسيطرة التامة على هذه الشعوب و يتحقق من خلال اتمام مخططات احكام قبضتها عليها بعد ان فرضت سيطرتها الكاملة على الحكام وان لم نستطع ان نعمم ذلك على جميع الانظمة ايضا التي يبدوا ان لم يكن مؤكدا بانها قد واجهت مشكلة كبيرة مع مراكز القوى المستفحلة في البعض منها ...ففي دول وبلدان مايسمى بالربيع العربي التي اندلعت فيها الثورات الجماهيرية ضد انظمتها الفاسدة التي تحكمها الساقطة منها وتلك التي اصبحت على وشك السقوط لم يكن بوسع امريكا ان تغير الزعماء وحدهم الذين يتربعون على عروشها دون البدء بتغيير الانظمة اولا ..بل انها لم ترى اي جدوى من وراء قيامها بتغيير اولئك الزعما مع الابقاء على تلك القوى التي استحوذت خلال سنوات وعقود عديدة من الفساد والفوضى على كل مراكز السلطة ومفاصل النفوذ ومصادر القرار واستطاعت بوسيلة وباخرى ان تغرس جذور ثباتها المتشعبة في اعماق الدولة بنفس المسافات والابعاد التي امتدت اليها فروعها في سماء المجتمع ..بشكل استأثروا معه وعن طريقه بكل صلاحيات الحكام وانتزعوها منهم انتزاعا اضعفهم وجعلهم في مجرى الخطر الذي بات يحدق بهم ويتهددهم من كل صوب اذا ماحاول كل حاكم منهم على حده الانفراد باي قرار سيادي او وطني يمكن ان يتخذه دون علمهم وموافقتهم عليه حتى وان كان هذا القرار يتعلق برغبته في التنحي من منصبه كزعيم شكلي لهم ولشعوبهم وانظمتهم ..
ومن هنا فقد اقتضت الضرورة على امريكا بالاتفاق المدروس مسبقا مع هولاء الزعما ومع اطراف سياسية واجتماعية وثقافية واعلامية اخرى كثيرة معارضة وغير معارضة في الداخل والخارج على ان تتولى الجماهير الشعبية خوض المعركة الثورية للقيام بعملية التغيير التي تستهدف بدرجة رئيسية تلك القوى المتمردة في النظام والخارجة عن سيطرة الحكام بل المتسلطة عليهم والتي تشكل خطرا على اهدافها ومصالحها..
ولعل في هذا الحديث (بالنسبة لحالة اليمن كنموذج) مايهدي الحائر ويعفي السائل من مشقة البحث والتنقيب عن جواب يرشده لمعرفة الاسباب والعوائق التي طالما ادت الى فشل كل الجهود والمساعي والمحاولات الوطنية المتكررة التي بذلها الفرقاء السياسيين على طريق الحوار خلال الفترة التي سبقت اندلاع هذه الثورة ضد النظام بغية الوصول لصيغة مشتركة لتوافق الجميع ((السلطة والمعارضة )) حول الرؤى والحلول الكفيلة بتحقيق التغيير المطلوب وفقا لرغبة امريكا التي ظلت ترعى الازمات الوطنية والاحتقانات السياسية وتعمل على تفاقمها بفعل ذلك يوما بعد اخر حتى وصلت باليمن الى ماوصلت اليه اليوم ...كما ان فيه فضلا عن ذلك مايكفينا للاستدلال على حقيقة الدوافع التي جعلت الرئيس صالح يعبر عن نيته ويعلن عن قرار اعتزامه عدم ترشيح نفسه لمنصب الرئيس مرة اخرى في اخر اخر انتخابات جرت للتنافس على هذا المنصب قبل ان يضطرفي اخر المطاف للتراجع عنه مستسلما للضغوط التي تعرض لها بفعل ذلك من خلال المظاهرات الشعبية والجماهيرية التي حشدها ومولها اولئك المفسدون والنافذون في النظام المستفيدون من بقاءه على راس هرم السلطة كمظلة لهم , فكان ان اخرجوها تجوب شوارع المدن في حشود مليونية لتطالبه بالعدول عن قراره بماحملته هذه المظاهرات والحشود من رسائل ضمنية خطيرة للرئيس ومن يقف خلفه في حال مالو اصر على تطبيقه ولم يمتثل لمطالبهم بالتراجع عنه ...ومن ضمن التهديدات التي حملتهاهذه الرسائل للمعنيين باستلامها وتفسيرها تلك التي اخبرتهم ((بان محاولات التغيير عن طريق الانتخابات لن تجدي وستقود البلاد والعباد مع وجود هولاء النافذين في السلطة او في النظام الى ذات النتيجة التي كانت ستترتب على اصرار الرئيس بتنفيذ قراره بعدم ترشيح نفسه في تلك الانتخابات فعلا ,,وترشيح نفسه في هذه الانتخابات مشروط بنجاحه الحاسم فيها باي شكل من الاشكال على منافسيه والا فان النتيجة هي ذات النتيجة التي يخشاها الجميع من اي محاولة اخرى للتغيير..بعد ان ثبت للجميع عمليا بان التغيير التدريجي والتكتيكي عن طريق الحوارات والمؤتمرات والفعاليات الوطنية والسياسية والتنظيمية والضغوط الخارجية فشله الذريع وصعوبته الشديده وبات في حكم المستحيل بالنسبة لهم ..حتى تبينوا ان الرهان على اي محاولات من هذا القبيل لم يعد مجديا ...
وانطلاقا من ذلك فقد انبثقت حاجتهم لدور الجماهير الشعبية لاستخدامها في ميادين المواجهة مع النظام كاداة بيد اولئك الانتهازيين لتحقيق التغيير بواسطتهم وعن طريق التضحية بهم ...
ومقابل حاحتهم تلك للجماهير الشعبية في القيام بمهمة التغيير فقد كان ان استعدوا بالمؤنة والعتادوالتدابير اللازمة التي تضمن لهم السيطرة عليها والتاثير فيها والانفراد بقيادتها وتحريكها وكبح جماحها في الساحات كيفما اقتضت مصالحهم ..
فلو اجلنا النظر ووقفنا لحظة للتامل في الاسباب والعوامل التي ادت الى عرقلة الثورة حتى الان او حرفت مسارها الجماهيري الطبيعي نحو الاتجاه السياسي سنجد ان معظمها انما تعودفي الاصل وترتبط بشكل وثيق و مباشر وغير مباشر بالموقع الذي اتخذ منه الشباب ساحة لثورتهم واعتصاماتهم الشعبية امام جامعة صنعاءيومها بعد ان اغلقت في وجوههم بقية الساحات والميادين المناسبة الاخرى بل والاكثر موائمة منه لثورتهم على نحو يوحي بان اختيار هذا الموقع كان مرتب له سلفا من قبلهم ولم يكن وليد اللحظة التي تم فيها او عن طريق المصادفة او بشكل عفوي او تلقائي كما بداء الامر في عيون اولئك الشباب وانما بنََي على الشروط والمواصفات التي تخدم مصالحهم وغاياتهم الشخصية والفئوية والحزبية دون الشباب ودون علمهم ..وتلك الشروط والمواصفات التي نشير اليها هنا لا ولم تقتصرعلى العوائق التقنية والميدانية والجغرافية والاجتماعية التي مثلها هذا الموقع للشباب على طريق مسيرتهم الثورية من حيث بعده عن القصر الجمهوري والمقرات المركزية للحكومة ومؤسساتها الرسمية ووقوعه في شارع ضيق ومزدحم بالسكان في اقصى جهة من المدينة ماتسبب الى حد كبير في صعوبة الحركة وامكانية التوسع الجماهيري فيه وجعل المقدمة المفترضه له في المؤخرة والمؤخرة في المقدمة وحول قبلتهم الثورية بالاتجاه المعاكس لها,,بل انها امتدت لتشمل الابعاد الفنية والمعنوية والثقافية ايضا التي مثلها هذا الموقع علاوة على ذلك بالنسبة لمن رتبوا لاختياره في تسهيل طرق سيطرتهم على الجماهير التي احتشدت فيه وهيئت لهم المناخ المناسب لممارسة اساليب التاثيرفيهم والضغط عليهم وتوجيههم ,..على ان الاهم من كل تلك الشروط تمثل في وقوعه على مقربة من قيادة الفرقة الاولى مدرع وثكناتها العسكرية التي يقودها اللواء على محسن صالح الاحمرالذي امتلك (اكثر من اي طرف اخر ولاعتبارات توفرت له دونهم) صولجان الضغط والتاثير عليهم وكان صاحب اليد الطولى والكلمة العٌٌلياء في توجيههم وادراة انشطتهم الثورية وتحديد مسارات وجهتهم على نحو ماجرى بعد ان اعلن انضمامه اليهم وانشقاقه عن النظام كأول رد فعل عملي يصدر بصفة رسمية عن واحد من اهم واخطر اعمدة الحكم العائلي واركانه العسكرية احتجاجا على مجزرة جمعة الكرامة التي اودت بحياة العشرات من الشباب الابرياء والضحايا(كما ادعى) فضلا عن جرح الكثيرين منهم بنيران الغدر ورصاصات الحقد والخيانة التي صوبت الى رؤسهم الطاهرة وهم في جلال السجود لربهم لاداء صلاة الجمعة يومها..ومن الثابت حتى الان بان الشعب بكل فرد فيه قد صدقوا واقتنعوا بما ادعاه لتبرير انشقاقه عن النظام وانضمامه اليهم في الساحات من خلال الخطاب الذي القاه على مسامعهم بُعيد ارتكاب تلك الجريمة الشنعاء مباشرة ..غير ان الصحيح _حسب تقديري ووفقا للتحليل المنطقي والقراءة الموضوعية للوقائع ومجرياتها الفعلية _ هو العكس!! اذ لاشئ يدعونا للاقتناع بمبرر كاللذي اراد علي محسن ومن خطط له ان يقنعنا به وخصوصا اذا كنا نمتلك الحجة ليس فقط لدحضه وتفنيد دعواه بل ولإثبات نقيض ماحملته من مبررات حول ذلك ..
وان اردنا ان نتحقق من هذا الامر فعلينا اولا ان نفرق بين مدلول كلمة ((السبب) وبين مدول كلمة (المبرر) من الناحية اللغوية والمنطقية واذا تمكنا من التفريق بين مدولول كل من المفردتين على هذا الاساس فسندرك ان الاولى تعني الدافع او العامل او المحفز او المصدر المسؤل عن اقدامك على اي فعل او حركة او نشاط تقوم به في الحياة ..في حين ان الثانية تعني فيما تعنيه الحجة او الذريعة او العذر او الدعوى التي يتخذها المرء لاثبات ((السبب)) او نفيه.. كماتعني ايضا القناع الذي يتستر به للظهور امام الاخرين بغير صورته او لإخفأحقيقته عنهم (والحقيقة التي نقصدها هناهي السبب)ا.اي ان الانسان فينا قد يرتكب مثلا خطيئة بسبب معين وينسبها الى سبب مختلف او يبررها بذريعة اخرى ..ان لم يبررها بالسبب الفعلي ذاته الا انه لايستطيع ان يبررها بالسبب الفعلي ذاته في الحالة التي يمتلك المنطق فيها برهانا او مبررا اخر للنفي اكبر منه او يساوية من حيث القوة الواقعية للاقناع ..واذا طبقنا هذا الاستدلال المنطقي على حالة اللواء علي محسن التي نتحدث عنها فسنصل الى الاستنتاج الذي يقرر النتيجة التي تقول((ان مجزرة الكرامة انما حدثت في حقيقة الامر لتبرير انضمامه الى صفوف الثوار وليس العكس الذي ادعاه ...اي انه احتاج لوقوع هذه العملية قبل ان تقع ليتخذ منها مبررا لاثبات شئ ودفع اخر عنه امام المعنيين بالامر او المستهدفين منه ليتحقق له من وراء ذلك الوصول لغاية محددة ..غير ان حاجته المسبقة لوقوع تلك الجريمة لايعدوا ان يكون دليل ادانة عليه بارتكابها فيمالو وقعت فعلا أو بعد وقوعها..وان وضعه ذلك في دائرة الريبة او في قفص الاتهام ..الا انه يظل برئيا حتى تثبت ادانته ....
واذا كان بوسعنا ان ندعي من باب الادعأ لااكثر ان علي محسن لم يكن بحاجة الى مجزرة كتلك التي ارتكبت بحق الشباب في جمعة الكرامة لتبرير انضمامه الى ثورتهم فاننا في المقابل لا ولن نستطيع في الوقت نفسه او في اي وقت اخر ان نزعم ايضا بانه لم يكن بأشد الحاجة اليها لتبرير انشقاقه عن النظام ,,,
فقد كان بمقدوره ان لاينضم لطرف او ينشق عن اي طرف ,,وان يعلن موقف الحياد منهما ويمسك بمنتصف العصا بدلا من اختيار الموقفين معا ..عملا بماتقتضيه الحكمة الوطنية وتحقيقا لماتستوجبه مصلحة الشعب وامتثالا لفروض الاخلاص والولاء الوطني التي تقع عليه كمواطن قبل ان يكون قائدا ..هذا ان لم تكن حاجة الرجل لاعلان انشقاقه عن النظام تنبع من شدة حاجته لاعلان انضمامه الى صفوف الثوار في ميادين التغيير ,,في حين ان حاجته للانضمام الى صفوفهم لم تأتي فقط من باب الحاجة التي اقتضتها حسابات السيطرة والتأثير التي استهدفت هولاء الثوار بل وليتمكن في اللحظة نفسها من ترجيح كفة التوازن الشعبي للثورة وتعزيز قوتها لمواجهة قوة وتماسك النظام سعيا لخلخلته وتفكيكه من الداخل اذ لم تكن الاعتصمات الجماهيرية في الساحات كافية وحدها لتحقيق ذلك مقارنة بالقوة والامكانيات المادية والعسكرية والاعلامية الكبيرة التي تملكها عصابات النظام
قد يسأل سائل منكم عن الاسباب التي قد تجعل امريكا تميل الى الاطاحة بهولاء الحكام عن طريق استفزاز الجماهير للقيام بذلك طالما كانت قادرة على تغييرهم عندما تشاء وكما تشاء وكيفما تشاء ودون الحاجة لحشر هذه الجماهير في ثورات لاتخدم مصالحها ؟؟
وسؤال كهذا لايمكن ان يطرحة قارئ يعلم بان الجزء الاكبر من مصلحة امريكا كما قلنا انما يتمثل في سعيها للسيطرة التامة على هذه الشعوب و يتحقق من خلال اتمام مخططات احكام قبضتها عليها بعد ان فرضت سيطرتها الكاملة على الحكام وان لم نستطع ان نعمم ذلك على جميع الانظمة ايضا التي يبدوا ان لم يكن مؤكدا بانها قد واجهت مشكلة كبيرة مع مراكز القوى المستفحلة في البعض منها ...ففي دول وبلدان مايسمى بالربيع العربي التي اندلعت فيها الثورات الجماهيرية ضد انظمتها الفاسدة التي تحكمها الساقطة منها وتلك التي اصبحت على وشك السقوط لم يكن بوسع امريكا ان تغير الزعماء وحدهم الذين يتربعون على عروشها دون البدء بتغيير الانظمة اولا ..بل انها لم ترى اي جدوى من وراء قيامها بتغيير اولئك الزعما مع الابقاء على تلك القوى التي استحوذت خلال سنوات وعقود عديدة من الفساد والفوضى على كل مراكز السلطة ومفاصل النفوذ ومصادر القرار واستطاعت بوسيلة وباخرى ان تغرس جذور ثباتها المتشعبة في اعماق الدولة بنفس المسافات والابعاد التي امتدت اليها فروعها في سماء المجتمع ..بشكل استأثروا معه وعن طريقه بكل صلاحيات الحكام وانتزعوها منهم انتزاعا اضعفهم وجعلهم في مجرى الخطر الذي بات يحدق بهم ويتهددهم من كل صوب اذا ماحاول كل حاكم منهم على حده الانفراد باي قرار سيادي او وطني يمكن ان يتخذه دون علمهم وموافقتهم عليه حتى وان كان هذا القرار يتعلق برغبته في التنحي من منصبه كزعيم شكلي لهم ولشعوبهم وانظمتهم ..
ومن هنا فقد اقتضت الضرورة على امريكا بالاتفاق المدروس مسبقا مع هولاء الزعما ومع اطراف سياسية واجتماعية وثقافية واعلامية اخرى كثيرة معارضة وغير معارضة في الداخل والخارج على ان تتولى الجماهير الشعبية خوض المعركة الثورية للقيام بعملية التغيير التي تستهدف بدرجة رئيسية تلك القوى المتمردة في النظام والخارجة عن سيطرة الحكام بل المتسلطة عليهم والتي تشكل خطرا على اهدافها ومصالحها..
ولعل في هذا الحديث (بالنسبة لحالة اليمن كنموذج) مايهدي الحائر ويعفي السائل من مشقة البحث والتنقيب عن جواب يرشده لمعرفة الاسباب والعوائق التي طالما ادت الى فشل كل الجهود والمساعي والمحاولات الوطنية المتكررة التي بذلها الفرقاء السياسيين على طريق الحوار خلال الفترة التي سبقت اندلاع هذه الثورة ضد النظام بغية الوصول لصيغة مشتركة لتوافق الجميع ((السلطة والمعارضة )) حول الرؤى والحلول الكفيلة بتحقيق التغيير المطلوب وفقا لرغبة امريكا التي ظلت ترعى الازمات الوطنية والاحتقانات السياسية وتعمل على تفاقمها بفعل ذلك يوما بعد اخر حتى وصلت باليمن الى ماوصلت اليه اليوم ...كما ان فيه فضلا عن ذلك مايكفينا للاستدلال على حقيقة الدوافع التي جعلت الرئيس صالح يعبر عن نيته ويعلن عن قرار اعتزامه عدم ترشيح نفسه لمنصب الرئيس مرة اخرى في اخر اخر انتخابات جرت للتنافس على هذا المنصب قبل ان يضطرفي اخر المطاف للتراجع عنه مستسلما للضغوط التي تعرض لها بفعل ذلك من خلال المظاهرات الشعبية والجماهيرية التي حشدها ومولها اولئك المفسدون والنافذون في النظام المستفيدون من بقاءه على راس هرم السلطة كمظلة لهم , فكان ان اخرجوها تجوب شوارع المدن في حشود مليونية لتطالبه بالعدول عن قراره بماحملته هذه المظاهرات والحشود من رسائل ضمنية خطيرة للرئيس ومن يقف خلفه في حال مالو اصر على تطبيقه ولم يمتثل لمطالبهم بالتراجع عنه ...ومن ضمن التهديدات التي حملتهاهذه الرسائل للمعنيين باستلامها وتفسيرها تلك التي اخبرتهم ((بان محاولات التغيير عن طريق الانتخابات لن تجدي وستقود البلاد والعباد مع وجود هولاء النافذين في السلطة او في النظام الى ذات النتيجة التي كانت ستترتب على اصرار الرئيس بتنفيذ قراره بعدم ترشيح نفسه في تلك الانتخابات فعلا ,,وترشيح نفسه في هذه الانتخابات مشروط بنجاحه الحاسم فيها باي شكل من الاشكال على منافسيه والا فان النتيجة هي ذات النتيجة التي يخشاها الجميع من اي محاولة اخرى للتغيير..بعد ان ثبت للجميع عمليا بان التغيير التدريجي والتكتيكي عن طريق الحوارات والمؤتمرات والفعاليات الوطنية والسياسية والتنظيمية والضغوط الخارجية فشله الذريع وصعوبته الشديده وبات في حكم المستحيل بالنسبة لهم ..حتى تبينوا ان الرهان على اي محاولات من هذا القبيل لم يعد مجديا ...
وانطلاقا من ذلك فقد انبثقت حاجتهم لدور الجماهير الشعبية لاستخدامها في ميادين المواجهة مع النظام كاداة بيد اولئك الانتهازيين لتحقيق التغيير بواسطتهم وعن طريق التضحية بهم ...
ومقابل حاحتهم تلك للجماهير الشعبية في القيام بمهمة التغيير فقد كان ان استعدوا بالمؤنة والعتادوالتدابير اللازمة التي تضمن لهم السيطرة عليها والتاثير فيها والانفراد بقيادتها وتحريكها وكبح جماحها في الساحات كيفما اقتضت مصالحهم ..
فلو اجلنا النظر ووقفنا لحظة للتامل في الاسباب والعوامل التي ادت الى عرقلة الثورة حتى الان او حرفت مسارها الجماهيري الطبيعي نحو الاتجاه السياسي سنجد ان معظمها انما تعودفي الاصل وترتبط بشكل وثيق و مباشر وغير مباشر بالموقع الذي اتخذ منه الشباب ساحة لثورتهم واعتصاماتهم الشعبية امام جامعة صنعاءيومها بعد ان اغلقت في وجوههم بقية الساحات والميادين المناسبة الاخرى بل والاكثر موائمة منه لثورتهم على نحو يوحي بان اختيار هذا الموقع كان مرتب له سلفا من قبلهم ولم يكن وليد اللحظة التي تم فيها او عن طريق المصادفة او بشكل عفوي او تلقائي كما بداء الامر في عيون اولئك الشباب وانما بنََي على الشروط والمواصفات التي تخدم مصالحهم وغاياتهم الشخصية والفئوية والحزبية دون الشباب ودون علمهم ..وتلك الشروط والمواصفات التي نشير اليها هنا لا ولم تقتصرعلى العوائق التقنية والميدانية والجغرافية والاجتماعية التي مثلها هذا الموقع للشباب على طريق مسيرتهم الثورية من حيث بعده عن القصر الجمهوري والمقرات المركزية للحكومة ومؤسساتها الرسمية ووقوعه في شارع ضيق ومزدحم بالسكان في اقصى جهة من المدينة ماتسبب الى حد كبير في صعوبة الحركة وامكانية التوسع الجماهيري فيه وجعل المقدمة المفترضه له في المؤخرة والمؤخرة في المقدمة وحول قبلتهم الثورية بالاتجاه المعاكس لها,,بل انها امتدت لتشمل الابعاد الفنية والمعنوية والثقافية ايضا التي مثلها هذا الموقع علاوة على ذلك بالنسبة لمن رتبوا لاختياره في تسهيل طرق سيطرتهم على الجماهير التي احتشدت فيه وهيئت لهم المناخ المناسب لممارسة اساليب التاثيرفيهم والضغط عليهم وتوجيههم ,..على ان الاهم من كل تلك الشروط تمثل في وقوعه على مقربة من قيادة الفرقة الاولى مدرع وثكناتها العسكرية التي يقودها اللواء على محسن صالح الاحمرالذي امتلك (اكثر من اي طرف اخر ولاعتبارات توفرت له دونهم) صولجان الضغط والتاثير عليهم وكان صاحب اليد الطولى والكلمة العٌٌلياء في توجيههم وادراة انشطتهم الثورية وتحديد مسارات وجهتهم على نحو ماجرى بعد ان اعلن انضمامه اليهم وانشقاقه عن النظام كأول رد فعل عملي يصدر بصفة رسمية عن واحد من اهم واخطر اعمدة الحكم العائلي واركانه العسكرية احتجاجا على مجزرة جمعة الكرامة التي اودت بحياة العشرات من الشباب الابرياء والضحايا(كما ادعى) فضلا عن جرح الكثيرين منهم بنيران الغدر ورصاصات الحقد والخيانة التي صوبت الى رؤسهم الطاهرة وهم في جلال السجود لربهم لاداء صلاة الجمعة يومها..ومن الثابت حتى الان بان الشعب بكل فرد فيه قد صدقوا واقتنعوا بما ادعاه لتبرير انشقاقه عن النظام وانضمامه اليهم في الساحات من خلال الخطاب الذي القاه على مسامعهم بُعيد ارتكاب تلك الجريمة الشنعاء مباشرة ..غير ان الصحيح _حسب تقديري ووفقا للتحليل المنطقي والقراءة الموضوعية للوقائع ومجرياتها الفعلية _ هو العكس!! اذ لاشئ يدعونا للاقتناع بمبرر كاللذي اراد علي محسن ومن خطط له ان يقنعنا به وخصوصا اذا كنا نمتلك الحجة ليس فقط لدحضه وتفنيد دعواه بل ولإثبات نقيض ماحملته من مبررات حول ذلك ..
وان اردنا ان نتحقق من هذا الامر فعلينا اولا ان نفرق بين مدلول كلمة ((السبب) وبين مدول كلمة (المبرر) من الناحية اللغوية والمنطقية واذا تمكنا من التفريق بين مدولول كل من المفردتين على هذا الاساس فسندرك ان الاولى تعني الدافع او العامل او المحفز او المصدر المسؤل عن اقدامك على اي فعل او حركة او نشاط تقوم به في الحياة ..في حين ان الثانية تعني فيما تعنيه الحجة او الذريعة او العذر او الدعوى التي يتخذها المرء لاثبات ((السبب)) او نفيه.. كماتعني ايضا القناع الذي يتستر به للظهور امام الاخرين بغير صورته او لإخفأحقيقته عنهم (والحقيقة التي نقصدها هناهي السبب)ا.اي ان الانسان فينا قد يرتكب مثلا خطيئة بسبب معين وينسبها الى سبب مختلف او يبررها بذريعة اخرى ..ان لم يبررها بالسبب الفعلي ذاته الا انه لايستطيع ان يبررها بالسبب الفعلي ذاته في الحالة التي يمتلك المنطق فيها برهانا او مبررا اخر للنفي اكبر منه او يساوية من حيث القوة الواقعية للاقناع ..واذا طبقنا هذا الاستدلال المنطقي على حالة اللواء علي محسن التي نتحدث عنها فسنصل الى الاستنتاج الذي يقرر النتيجة التي تقول((ان مجزرة الكرامة انما حدثت في حقيقة الامر لتبرير انضمامه الى صفوف الثوار وليس العكس الذي ادعاه ...اي انه احتاج لوقوع هذه العملية قبل ان تقع ليتخذ منها مبررا لاثبات شئ ودفع اخر عنه امام المعنيين بالامر او المستهدفين منه ليتحقق له من وراء ذلك الوصول لغاية محددة ..غير ان حاجته المسبقة لوقوع تلك الجريمة لايعدوا ان يكون دليل ادانة عليه بارتكابها فيمالو وقعت فعلا أو بعد وقوعها..وان وضعه ذلك في دائرة الريبة او في قفص الاتهام ..الا انه يظل برئيا حتى تثبت ادانته ....
واذا كان بوسعنا ان ندعي من باب الادعأ لااكثر ان علي محسن لم يكن بحاجة الى مجزرة كتلك التي ارتكبت بحق الشباب في جمعة الكرامة لتبرير انضمامه الى ثورتهم فاننا في المقابل لا ولن نستطيع في الوقت نفسه او في اي وقت اخر ان نزعم ايضا بانه لم يكن بأشد الحاجة اليها لتبرير انشقاقه عن النظام ,,,
فقد كان بمقدوره ان لاينضم لطرف او ينشق عن اي طرف ,,وان يعلن موقف الحياد منهما ويمسك بمنتصف العصا بدلا من اختيار الموقفين معا ..عملا بماتقتضيه الحكمة الوطنية وتحقيقا لماتستوجبه مصلحة الشعب وامتثالا لفروض الاخلاص والولاء الوطني التي تقع عليه كمواطن قبل ان يكون قائدا ..هذا ان لم تكن حاجة الرجل لاعلان انشقاقه عن النظام تنبع من شدة حاجته لاعلان انضمامه الى صفوف الثوار في ميادين التغيير ,,في حين ان حاجته للانضمام الى صفوفهم لم تأتي فقط من باب الحاجة التي اقتضتها حسابات السيطرة والتأثير التي استهدفت هولاء الثوار بل وليتمكن في اللحظة نفسها من ترجيح كفة التوازن الشعبي للثورة وتعزيز قوتها لمواجهة قوة وتماسك النظام سعيا لخلخلته وتفكيكه من الداخل اذ لم تكن الاعتصمات الجماهيرية في الساحات كافية وحدها لتحقيق ذلك مقارنة بالقوة والامكانيات المادية والعسكرية والاعلامية الكبيرة التي تملكها عصابات النظام
تعليقات