على طريق اصلاح مسار الثورة اليمنية _ الحلقة الثانية

بوسعي ان ازعم بالجزم الى حد اليقين بأن حادثة مسجد النهدين التي قيل بانها أستهدفت  حياة الرئيس "صالح" وبعض من قادة النظام الشكليين الذين كانوا معه لاداء شعائر صلاة أول جمعة من "رجب" لم تكن إلا عملية نُفِذت بتخطيط وتدبير "خارجي" بعلمهم جميعاً وبالإتفاق المُسبق مع قادة أحزاب اللقاء المشترك وأطراف أُخرى  بقصد تخليص الرئيس "صالح" على وجه التحديد من ورطة التوقيع على "المبادرة الخليجية" ألتي وجد نفسه فيها بعد أن واجه وهم معه ايضاً ذات الصعوبات والمخاطر والتهديدات التي سبق وأن واجهها كما أشرنا في الحلقة السابقة من هذه القراءة مع تلك القوى المتنفذة في النظام والمهيمنة على مفاصل الحُكم فيه عندما أصدر ذلك القرار الذي عبّر فيه عن إنعِدام رغبته الشخصية والسياسية في ترشيح نفسه مجدداً لخوض الإنتخابات الرئاسية التي خاضها في نهاية المطاف مع منافسيه في العام 2006 م بعد ان رأى من بوادِر خطرها ومؤشراته على ألأرض ماحمله على التراجع عن ذلك...
بوادر ومؤشرات هذا الخطر ذاتها تكررت مرة أُخرى وظهرت بوتيرة أشد منها في أول موعد تم إقراره وتحديده للتوقيع على المبادرة الخليجية بحضور"الزياني" الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي الذي كان يرعى المهمة ويتبناها في العاصمة صنعاء يومها عندما دفع هولاء المتنفذين في النظام بمناصريهم ومؤيديهم من الجماهير الشعبية لقطع شوارعها الرئيسية وطرقها العامة تعبيراً عن إعتراضهم الغاضب ورفضهم القطعي للمبادرة الخليجية وتحذيراً للرئيس وألأطراف المعنية بها من مغبة توقيعه عليها ..
ألأمر الذي أثبت مخاوفهم السابقة و اللاحقة ايضاً من المخاطرالتي كانت محتملة عن إقدام الرئيس على خطوة كبيرة كهذه من شانها ان تضر بمصالح هذه القوى وتهدد بقائها في مراكزها النافذة بالسلطة والنظام بشكل قد يضعها في الزاوية الضيقة ويقودها الى إغتياله أو يدفعها للقيام بإنقلاب عسكري ضده فيما لو قرر الإقدام على تنفيذها ..لذلك فقد لجأ مضطراً الى أساليب المراوغة  وفنون المخاتلة والمناروة ومهارات المساومة واللعب على الحبلين  التي يجيدها ببراعة  تارة  باعلان القبول  وأُخرى بإعلان الرفض وثالثة بالقبول والمهادنة وألإشتراطات العَرجى التي ظل يطرحها من وقت الى آخرفي محاولات بائسة منه ومِمَن يملي عليه ويقف خلفه لكسب الوقت و لترويض هذه القوى وتكييفها وخلخلتها وزرع الإستعداد لديها للقبول بذلك وللحيلولة دون قيامها بأي عمل مناهض له من قبلها إلا أن كل تلك المحاولات قد باءت بالفشل ولم تؤدي إلا إلى نتائج نقيضة ...حتى أشتد  به الخناق بين قوة الضغوط التي شكلتها عليه تلك القوى المتنفذه في النظام من خلال رسائل التهديد والوعيد التي ظلت تبعثها اليه وبتعبيرات مختلفه كلما همَّ بالتوقيع على هذه المبادرة من جهة وبين قوة الضغوط  الشعبية التي واجهها على الجانب المقابل من ساحة التغيير التي كان غليانها الجماهيري المتأهب للزحف الثوري على القصر الرئاسي والمطالب له بالرحيل الفوري  قد بلغ ذروته القصوى  من جهة ثانية فلم يجد أمامه والحال كذلك مخرجاً يتسع لخروجه من هذه الورطة بسلام ودون أن يتسبب ذلك بأحد الضررين الذين كان يخشى منهما أو كلاهما إلا من خلال اختلاق دعوى تبرر  موته ومقتله في تلك الاثنأ بواسطة التنفيذ المفبرك لحادثة النهدين التي أُنِتجَت في المعمل ألأمريكي بِالسيناريو الذي رأيناه لإنقاذ مصالحهم من الخطر الذي كان وشيكاً عليها إذا ما أستمر الرئيس في مناوراته ومراوغاته السياسية على ذلك المنوال مارسه,,وبالتالي إعفاءه من مهمة التوقيع على المبادرة بعد أن وقع عليها ممثلي حزبه مع ممثلي بقية الاحزاب المعنية بالتوقيع عليها في وقت سابق بحيث تظل إمكانية إنتقال السلطة بشكل سلمي وآمِن إلى نائبه "الفريق عبده ربه منصور هادي" قائمة عملاً بمانصت عليه البنود الواردة فيها فإن لم يكن ذلك ممكناً  فبمقتضى المواد الدستورية التي تنص أيضا على ذات الإجراء في حالة ما إذا تعرض الرئيس الى أي  عارِضٌ من هذا القبيل ..ومن هنا فقد أقتضى الدور الذي أُنِيط "بعبد ربه منصور هادي" على وجه الخصوص بإعتباره نائباً للرئيس أن لايكون من ضمن الحاضرين  - رغم أنه يُفتَرض  - لولم تكن  العملية  مدبرة حقا بالاتفاق معهم  -أن يكون  أولهم مع من جرى إنتقائهم بعناية بالغة وفقاً للدور الملقى عليهم  لتأدية شعائرصلاة  الجمعة مع الرئيس  بجامع القصر الجمهوري "النهدين" يومها ليس فقط ليصدق الناس ويقتنعوا بوقوع الحادثة فعلياً من ورأ الزعم الذي زعموا بتعرضهم لما تعرضوا له معه إثر ذلك بل ولأن الأهم منه كان يستهدف تبديد الخيارات الدستورية لإنتقال السلطة لأي شخص أو طرف اخر غير نائب الرئيس بحيث يقطعون الطريق في نفس الوقت أمام كل من قد تسول له نفسه باستغلال هذا الظرف لاغتياله (اقصد النائب)..
ولما كان التأكيد على نبأ موت الرئيس ومقتله هو بالذات من بين البقية في الحادثة على هذا النحو المفاجئ يعتبر مجازفة غير محسوبة ولامضمونة النتائج وتنذر بإحتمالات وخيمة في الغالب وردود فعل عكسية وتنطوي على ذات المخاطر التي  أنطوت على خيار قيامه بالتوقيع على المبادرة فقد كان للمُخرِج الذي دبَر لها وأنتجها أن يسرب معلومات متضاربة وغير مؤكدة حول مصيره وعن حالته الصحية الحرجة..ولتفادي تلك الإنعكاسات الخطيرة التي كان من الممكن ان تترتب على ذلك وبالذات من أولئك المتنفذين في النظام وكي لايقومون باي إنقلاب عسكري لإستلام الحكم من بعده أو بأي أعمال فوضوية من شأنها أن تقود البلاد الى أتون حرب أهلية أو قبلية أو أضطرابات شعبية فتبعثر بأوراق اللعبة فقد كان عليه بعد وقت قصير من وقوعها أن يلقي خطاباً مقتضباً على مسامع الجميع لبث بعض الطمأنينة في نفوسهم وإشاعة نوع من التوازن المعنوي لديهم وكان لابد أن يشير فيه أيضاً الى براءة ثوار الساحة من تهمة إرتكاب هذه  الجريمة ضده ومرافقيه لا ليعفيهم من عقوباتها كما أوحى إليهم بل ليجردهم من أي فضل قد يحسب لهم في التغيير وليحرمهم من شرف المشاركة في تحقيق هذا الإنجاز التاريخي وليسلبهم نزوة الشعور بالنصر الذي قد يخامرهم بفعل ذلك وليقلل من أهمية دورهم الثوري في الساحات وينتقص من تأثيرهم الجماهيري فيما حدث له في حين يجيّركل ذلك ومن حيث لايعلمون بإسم الطرف الذي ظل ينسب إليه تُهم الوقوف خلف ماحدث وماكان يحدث من قبل  ويحمله المسؤلية الكاملة عنها وعن نتائجها ويوجه له مجمل التهم والإفتراءات  والإنتقادات التي ظل يكيلها اليه من باب الإعتراف بجهوده وقدراته الخارقة والإقرار بدوره الفاعل وتأثيره البالغ على خلخلة نظامه وزعزعة قوته على نحو تعمد التهويل فيه من إمكانياته الكبيرة وطاقاته القوية لإحداث التغيير  ليمهد له طريق الوصول الى السلطة وليمنحه الشرعية والأولوية الكاملة والحق الذي لاينبغي لسواه لإستلامها بدلاً عنه دون الجميع أو دون أي طرف آخر وليس من باب الخصومة والعداوة التي أبداها له أمامهم لتمرير ذلك عليهم وفي نفس الوقت يحسِّن من صورة هذا الطرف في عيونهم فيحظى بقبولهم وتقربهم اليه وتقديمه عليهم ..
- في وقت لاحق من عمر هذه الحادثة وبالتحديد عندما بدأت شكوك الناس تتزايد حول حقيقتها وأخذت الجماهير الشعبية في الساحات تصعد من حدة غليانها الثوري مجددا وتتأهب للزحف نحو القصر على إثر ذلك كان على المطبخ أن يتدارم الامر ويعمل على وضع حدا لهذه الشكوك وإخمادها بشكل أو بآخِر لإقناعهم بوقوع هذه الحادثة بالفعل قبل أن ينكشف أمرها وأن إستدعى ذلك  الإستشهاد  بوفاة رجل مثل رئيس مجلس الشورى الأستاذ "عبد العزيز عبد الغني" الذي سبق وأن بثوا خبراً عن إصابته مع من أُصِيبوا في الحادثة معه,, بحيث  لايعد لمخلوق ان يشك او يتشكك في صحة مثل هذا الخبر على الاطلاق لاعتبارات يعتقد الكثيرون  بانه يستحيل على احدهم كائن من كان ان يوظفها لتضليل الناس باكاذيب تصل الى هذا الحد المستبعد بالنسبة لهم من الافتراءات التي لايصدقها العقل فيقبل بها كحقيقة ماثلة بكل براهينها المفتعلة امامه وبذات المراسم والتجهيزات والطقوس والمراثي والدموع التي عادة ما يشيعون بها  جنائز الموتى الحقيقيون ممن في مستواه الى المقابر ..
لذلك فقد يتهمني اغلبكم بالهراء والمبالغة في هذا الطرح غير ان الامر في نظري يعد امرا مؤكداوواقعيا ايضا ....والذين يؤمنون ويدركون بان حادثة النهدين انما كانت تمثيلية تراجيديه لتزييف الواقع وتسميم العقول وتضليلها كما ذكرنا سلفا هم وحدهم فقط الذين يؤمنون ويدركون في الوقت نفسه بان موت عبد العزيز عبد الغني انما كان واحدا من فصول تلك التمثيلية التراجيدية الطويلة التي لم تنتهي فصولها بعد ...ولايمكن لمدعي ان يقر بالاولى ولايعترف بالثانية او العكس ..فأما ان يقر بالاثنتين معا او ينكرهما معا وعلى من ينكرهما معا ان يعلم ان اراد ان يعلم بان  كلفة التاكيد للناس على موت هذا الرجل او غيره دون ان يموت فعلا بعد التاكيد الذي سبق عن اصابته في تلك الحادثة دون ان يصاب حقا لاتساوي شيئا يذكربالمقارنة  مع القيمة الكبيرة للاهداف والغايات التي حققها المستفيدون واصحاب المصلحة الحقيقية من قيامهم بذلك ..وهم لايحتاجون لتاكيد هذه الافتراءات والاكاذيب واقناعنا بها  الا لعقول كعقولنا العربية وكفى ,,

تعليقات